ضرب الله تعالى لنا مثلا عظيما في سورة العاديات ، مثل يجعلنا نستحي منه سبحانه ،
فيه أقسم الله عز وجل بالعاديات وهي الخيول ، لكن لم يقسم الله العزيز بالخيول وهي واقفة ،
بل نعتها بصفة الضبح.
الضبح هو صوت أنفاس الخيول عندما يحترق صدرها من شدة الركض ، فقال تعالى : «وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا».
نعتها الله العليم بصفة أخرى فقال : فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا ،
وهي النار أو الشرارة التي تلمع نتيجة لاحتكاك أقدام الخيول (حوافرها) مع الأرض وهي تركض بسرعة شديدة ،
نار تحرق صدورها ونار تحرق أقدامها!
«فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا» هنا يخبرنا الله تعالى أن الخيول لا تركض هذا الركض الشديد من أجل التسلية أو التدريب ،
بل تركض داخل حرب (فالمغيرات) أثناء النهار (صُبحًا) ،
فهي تعلم أنها داخل معركة وترى الأسهم والرماح والسيوف وتعلم أنها في خطر ،
ومع ذلك لم تتراجع ساخطة على قائدها.
«فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا» أي أثارت الغبار في مكان المعركة من شدة الركض ،
فأصبح الهواء الذي تتنفسه الخيول مختلطًا بالغبار (النقع).
صدرها يشتعل نارا ومع ذلك لا تستنشق هواء نقيا بل تستنشق هواءً مختلطًا بالغبار ، تضحية عجيبة!
«فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا» أي أنها تقف في مركز المعركة ، أخطر مقام فيه إحتمالية هلاكها كبيرة ، إخلاص عجيب!
كل تلك الآيات كانت قسما من الله عز وجل ، لكن جاء جواب القسم عجيبًا : «إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ»!
القرآن الكريم يحدثنا عن الخيول ويصف أحوالها ،
ثم ينتقل للحديث فجأة عن حال الإنسان مع ربه ويصفه بالـ (كنود) ،
أي الساخط على نعم الله تعالى ، لمَ هذا الإنتقال العجيب؟!
إقرأ أيضا: من القاموس القرآني
ذلك لأن الخيول تضحي كل هذه التضحية من أجل قائدها الذي –فقط- يُطعمها ويرعاها ،
قائدها هذا لم يخلق لها السمع ولا البصر ولا حافرا واحدا من حوافرها ،
ومع ذلك فهي تظهر إمتنانها له بالإقدام على هلاكها دون خوف!
أما الإنسان فإنه ينسى كل نعم الله عليه مجرد أن يصادف أمراً واحداً يسوءه ،
فيُصبح ويمسي يشتكي خالقه لخلقه حتى تمل الشكوى منه.
صدق الله العظيم «إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ».