طلقني!

طلقني!

في البداية ظننتها تمزح أو أنها تحاول جادة أن تستفز مشاعري الباردة دائما على حد قولها ،

إلا أن صوتها الساكن على غير العادة ودموع صامتة على خديها أفهمتني أن بالأمر خطب ما.

سلمى ، ماذا هناك؟

أطلقك هكذا فجأة رغم أننا نتشارك إحتساء القهوة ورغم أننا أنهينا طعامنا معا منذ دقائق.

ورغم أنني ولأول مرة منذ عامين أطلب منك أن نجلس سويا في الشرفة ،

لنتحدث مثلما كنا نفعل مسبقا قبل أن تتعبني هموم وأعباء الحياة!

بعد ليلتين من إعلان الحرب الباردة بيننا إكتشفت أن سلمى تسعى الآن للطلاق لأنها تشعر أنها كذلك منذ مدة بعيدة.

تحديدا منذ أن بهتت صورتها في عيني فلم أعد منبهرا بها ،

ومنذ أن إختفى الحب بيننا فحل محله البرود والملل على حد قولها!

ومنذ أن نسيت أنها زوجتي وبيتي فأصبحت أتصرف وكأنني نزيل في فندق!

سلمى التي لم تشتكي أبدا ، تعاتبني الآن لأنني لم أذهب لزيارة أخيها الوحيد ،

عندما بترت قدمه منذ ثلاثة أعوام فذهبت مرارا لزيارته وحدها.

وتذكرني برحيلي المبكر يوم وفاة والدها رغم أنها كانت تنتظر عزائي لها بشكل خاص بعد الوفاة!

سلمى التي تكره العتاب أبدا تعاتبني جادة ، لأنني لم أبارك نجاحها بإحدى دروس الإنترنت منذ ستة أشهر!

وتحدثني مطولا عن خيبتها يوم أن سكبت على نفسها قهوة الصباح الساخنة التي كانت تعدها لي ، فنسيت الأمر ولم أطمئن عليها أبدا.

تخيلوا أن سلمى الرصينة العاقلة تخبرني الآن أنها مستاءة لأنني لم أرسل لها رسالة معايدة في العيد الماضي ،

رغم أنني كنت أرسلها للجميع ، ولم أمنحها مصروف العيد رغم منحه لكل الأطفال حولي!

سلمى التي لم أشعر بغيرتها أبدا ، تخبرني أنها لن تنسى إهتمامي باتصالات زميلتي في العمل ،

رغم أنني قد أتجاهل إتصالات زوجتي مرارًا.

وتشرح مدى خيبتها لانشغالي عن مشاركتها مناسبات أسرتها رغم أنها تحرص أن تكون أول الحاضرين بمناسبات عائلتي.

إقرأ أيضا: الحب وحده لا يكفي

سلمى الآن تشرح لي كم إنتظرت أن نتحدث سويا قبيل النوم كل ليلة إلى أن ملت ،

فاستبدلت أحاديثي بأحاديث صديقاتها.

وتخبرني أنها لطالما إنتظرت أن أثني على أكلاتها الهندية التي تعلمت طهيها خصيصا لأجلي ،

لأنني أعربت عن رغبتي بذلك ذات يوم إلا أنني كالعادة لم أنتبه.

سلمى تخبرني الآن أنها بحاجة لزوج يتفهم مشاعرها ، يبادلها الحديث ليلا ،

يصر على أن يتناولا معا طعام الإفطار صباحا.

يقدر حاجتها للمشاركة فلا يتركها فريسة للوحدة ، وحاجاتها الجادة للأمان ، فلا يدع الخوف يلتهمها وحدها ،

ويَتفهم ظروف المجتمع حولها فلا يجعلها تواجهه بنفسها وكأنها بلا زوج!

سلمى تحكي لي الآن سباق الركض ليلا الذي كان يجمع رسول الأمة بعائشة رضي الله عنها رغم إنشغاله بكل أعباء النبوة.

وتخبرني عن عظيمًا إسمه عمر بن الخطاب كان يقول إني لألعب مع زوجتي كالطفل فإذا جَدَّ الجدُّ وجدتني رجلا.

سلمى لم تعد تلتمس لانشغالي العذر لأنني مهما كَبُرتْ مشاغلي لن تكون كأعباء نبي ،

ومهما تعاظمت هموم الحياة حولي فلن تكون كهموم رجل أُطِلِقَ عليه محطم الإمبراطوريات وهازم الفرس.

“العتاب لا يُؤجل”.

سلمى التي ألتمس لها العذر دائما أعاتبها الآن لأنها لم تخبرني باحتياجاتها على مدار شهور ،

وأتحجج عن إهمالي لها بأنها آثرت الصمت بدلا من إعلان حاجتها للكلام ،

ولم تلفت إنتباهي لشيء يسيئها فيّ لأحاول جاهدا تصحيحه لأجل ألا أسيئها.

إقرأ أيضا: أسبل عينيه حين استراح من شقاء ذلك النهار

سلمى بخلت أن تكون واضحة في مشاعرها حتى ماتت هذه المشاعر البريئة وانساقت خلف دعاوى وهمية غبية ،

بأن الإهتمام لا يطلب فجاءت تطلبه مني قبيل طلاقنا!

العتاب لا يؤجل ، والمشاعر لا تناقش ، والإهتمام يجب أن تعلن الحاجة له خصيصا بين الأزواج.

ولن أطلقك يا سلمى قبل أن يمر علينا عيدا جديدا فلا أعايد فيه أحدا غيرك ،

وقبل أن أعتذر منك على قهوة الصباح التي نسيت أن أعتذر لك عنها منذ سبعة أشهر ،

فإما أن تقبلي إعتذاري وإما أن أسكبها ساخنة على نفسي ، جزاءً وفاقًا.

لن أطلقك قبل أن أعزيك في وفاة والدك من جديد ، ثم أقسم لك أنكِ الآن تَملكين زوجًا بطيبة ورحمة والد.

وقبل أن أعيد كل الزيارات التي تحججتُ بعملي عنها فتركتك تقومين بها وحدك.

وقبل أن ننهي كل الأحاديث فتطلبين مني أن أصمت لأن الصداع كاد أن يلتهم رأسك ،

وَقبل أن نطهو معًا كل الأصناف الهندية ثم أخبرك جادًا بأنني أشتهي أن آكل شيئًا آخر.

لن أطلقك قبل أن نركض معا ليلًا فكما قلت أعبائي ليست كأعباء نبي ،

أو أن أتلطف معك كما تريدين فلست منشغلا بتحطيم الإمبراطوريات وإنزال الهزائم بالفرس.

Exit mobile version