عاشقة الأمير قصة قصيرة
كانت هناك فتاة حسناء تحب أمير مملكتها حبا جما لم تحب مثله أمه والتي هي من أنجبته.
كانت متيمة به لدرجة أنها تعشق التراب الذي يمشي عليه ، ولكن كان عشقها وهيامها به مجرد أمنية سرية تخفيها في خوالجها.
فهي تدرك جيدا أن الأمير لا ينظر إلى فتاة معدمة فقيرة لن يرى وجودها ، حتى ولو مرت من أمامه.
لذلك بقيت تتعذب مع مشاعرها وهي باليقظة أو بمنامها.
وكلما تشتاق عيونها لرؤيته ، تذهب مع صديقتها خلف سور القصر ، تصعد خلسة تراقبه بالخفاء ،
فتنتظره أحيانا بالساعات حتى يخرج إلى باحته كي يتمرن مع بعض الجنود فن القتال بالسيوف ،
أو كيفية تسديده للرماح بطريقة دقيقة وصائبة.
ولا تعود أدراجها إلا إذا تشبعت ناظريها بصورته وتجسد ملامحه في ذاكرتها كي تطفئ لهيب إشتياقها إليه في ليالي وحدتها ،
بعدها تعود والسعادة تغمر قلبها.
لكل من رآها في تلك الأثناء يظن أنها كانت معه ، مع من تحبه حيث بادلته أطراف الحديث عن مكنونياتها واعترافه بدوره حبه العميق لها.
وبالأخير وهو يسرق منها قبلة على شفاهها جعلت من وجنتيها الورديتن تقطر خجلا ، ولكن كل هذا لم يحدث.
إلا أنها تتخيلها في يقظتها بكل تفاصيل الحواديث التي تحصل بين الحبيبين وكأنها حقيقة.
عندما زاد الوضع عن حده أصبحت صديقتها تستاء من سذاجتها ، حتى أنها تقسوا عليها أحيانا وتوبخها ،
كي تستيقظ من حلمها وغفلتها.
وأن تتقبل عيش حياتها البسيطة ، وأن لا تتطلع إلى فوق حتى لا تكسر عنقها عندما تسقط.
ولكن كل هذا عبث ، فلم تستسلم لأحاسيسها.
إقرأ أيضا: قطعة من الجنة
بعد أن حاولت عدة مرات أن تخرج الأمير من تفكيرها ، وفي كل مرة تفشل بذلك ،
وخاصة بعد علمها أن الأمير يريد الزواج من إحدى فتيات رعاياه.
وهذه الخطوة معجزة بحد ذاتها لم تحصل قبلا في أي مملكة من مماليك الأرض.
المعروف أن الملوك والأمراء يتزوجون أمثال مقاماتهم ، وأغلبهن يكن من خارج دولتهم ، حتى يضموا دولة أخرى تقوي وتعزز مملكتهم.
في أحد الأيام أصدر الملك مرسوما يجمع فيه كل فتيات المملكة حتى يختار منهن لمن ستكون شريكة حياته المستقبلية.
وجاءت الفرصة لمارڨريتا لحد باب منزلها ، إذ سجلت نفسها من ضمن القائمة التي يقوم بجمعها أحد معاونين القصر.
وبالرغم أن جدتها التي ربتها نصحتها أن لا تشارك في الأمر حتى لا ينفطر قلبها المرهف عند خسارتها ،
إلا أن حفيدتها لم تتردد قط في تسجيل إسمها.
يوم الإجتماع قدمت كل الفتيات وهن يلبسن أحلى الثياب وأحلى الحلي ، وكأنهن خلقن أميرات بالفعل ،
عكس مارڨريتا التي دعت نفسها على بساطتها ولم تغير من شكلها سوى التسريحة التي تليق بلقاء الحبيب.
في تلك الأثناء رحب الأمير بالفتيات ، ثم قبل أن يكمل حديثه أمر بمساعديه أن يمنحوا تلك الفتيات بذورا صغيرة ، تشبه الخرز الأسود.
ثم بعدها طلب منهن أن يقمن بغرسها ، ومن جلبت له بأجمل زهرة بنفسج رآها بحياته ، ستكون هي زوجته وأميرة عرشه.
وهذا هو كان شرط الأمير الوحيد ، لا الجمال ولا العمر ولا الطبقة المخملية كانت من شروط قبوله بزوجته المستقبلية.
وبالفعل سعدن الفتيات وظنن أن الأمر سهلا ، وكل واحدة في نفسها تكاد تجزم أن الأمير أصبح ملكها ،
إلا مارڨريتا فهي إستغربت من تلك البذور ، وأدركت أن الأمير قد يكون يلهوا ويمرر وقت فراغه بطلبه هذا الأمر منهن.
إقرأ أيضا: قاتل البطة
فهي تعلم جيدا كيف هي تكون بذور الزهور ، حتى الورود ، أما هذا النوع النادر من البذور فهو يتطلب غرسا إستثنائيا ،
وتربة وضوء معين ، وقد يتطلب أيضا وقتا أكبر من الوقت الذي ذكره.
ومع ذلك فعلت مارڨريتا ما طلب منها ، وفي اليوم المحدد ، أخذت العينة وقدمتها للمسؤول وتركت كل فتاة اسمها على الزهرة ،
حتى يستطيع الأمير تمييز كل واحدة منهن على درجة مقياس جمال الزهرة البنفسجية.
عندما عادت مارڨريتا إلى منزل جدتها إرتمت ما بين أحضانها وهي تبكي بحرقة عن ضياع حلمها للأبد ،
لأنها رأت بأم عينها الفتيات إستطعن أن يلبين ما يأمل الأمير منهن.
أثناءها طلبت منها جدتها أن تجمع ثيابها وتذهب عند أختها في القرية المجاورة لمملكتهم ، حتى يكمل الأمير مراسيم عرسه.
وعند إنتهائه تعود من جديد كي لا تتألم أكثر بفقدانه.
وبالفعل فعلت مارڨريتا ما طلبته منها جدتها ، وما إن مرت ساعة من رحيلها حتى قدم أحدهم يدق الباب خلفها.
ظنت الجدة أن مارڨريتا هي من عادت وأعدلت عن الفكرة ،
ولكن بعد فتحه إياه وجدت الأمير بلحمه وشحمه مرافقا حراسه وحاشيته يطلب حفيدتها شخصيا.
فأخبرته الجدة أين تكون وجهة حفيدتها في تلك الأثناء والتي تظن أنها لاتزال تقطع بعض المقاطعات حتى تصل إلى منزل أختها.
وانطلق في تلك اللحظة الأمير مسرعا وكأنه أحس أنه سيفقد شيئا ثمينا لا يتعوض ،
حتى وصل إلى المكان الذي وصفته له الجدة.
فلم يجد أي فتاة بالنواحي التي مر بها ، فظن أنه تأخر بعدم ملاقاتها في الطريق.
إقرأ أيضا: من النظرة الأولى لها علمت أنها متكبرة
وبينما هو يبحث بإلحاح بواسطة نظاراته التي تجول كل المنطقة شبرا شبرا ،
إذ به يلمح فتاة من بعيد تحاول أن تغرف بيديها الماء من النهر ، فلم تستطع خوفا أن يأخذها الماء الجاري معه.
بينما هو يقترب منها ، إذ بقدمها تنزلق من حافة ضفته لتسقط في وسطه ويأخذها الماء معه بعيدا ،
حينها إرتجل الأمير من حصانه وركض بسرعة ، وقبل أن يرمي بنفسه في النهر ،
أمر حراسه أن يلحقون به مصاحبين الحبل معهم.
وبعد ثواني أمسك الأمير مارڨريتا أخيرا وأخرجها من النهر بعد مسكه للحبل الذي رموه حراسه عدة مرات.
كاد الأمير أن لا ينجح بسبب تدفق تيار المياه المعاكسة بقوة ،
لولا تمكن الأمير من السباحة جيدا وجسده الرياضي الذي ساعده كثيرا على التحمل لكان وضعهما الإثنين سيئا.
أخرج الأمير الفتاة المغماة عليها بعد أن شربت كثيرا من الماء ، وضعها على الأرض المسطحة وأصبح يخفق قلبها بكلتا يديه الموضوعتان فوق بعضها البعض ،
حتى يدفع الماء الذي ببطنها للخارج وتعود أنفاسها للحياة.
وعندما لم ينفع الأمر لجأ للطريقة الثانية فوضع فمه على فمها كي ينفخ في رئتيها ، وتارة يضغط على موضع قلبها.
وهكذا حتى قرابة الثانية ونصف الثانية وهو يكرر ذلك.
عاد نبض قلب مارڨريتا يدق مجددا ، حيث دفعت كل الماء الذي كان يحبس أنفاسها خارجا ، وهي تسعل بشدة.
وما إن هدأت وعادت لطبيعتها وهي تستوعب ما الذي يجري معها ،
عادت ليغمى عليها من جديد بسبب الصدمة التي تلقتها مما رأته أمامها.
عند إفاقتها لم تصدق أن الأمير فارس أحلامها هو من أنقذها بنفسه من الموت المحتم ،
واستغرقت وقتا حتى تدرك أنه جاء من أجلها يبحث عنها ليعيدها إلى مملكته ، فهي من قام بختيارها لتكون زوجته عن دون الجميع.
إقرأ أيضا: في بداية زواجي سافرت للكويت
ظنت في بادئ الأمر أن كل هذا حلما تنتظر جدتها فقط لكي توقظها منه ككل مرة من نومها ، ولكن الامر طال ولم تفعل ذلك.
حتى أخرج الأمير الكيس الذي به الحبوب البنية التي هي عبارة عن قهوة حبيبية الشكل صلبة ،
والتي تكون بالأصل الكيس الذي منحته إياه مارڨريتا للمسؤول المكلف من طرف الأمير بجمع ما طلبه من الفتيات سابقا.
ومن بين كل الزهور البنفسجية الفائقة الجمال التي جمعت في المسابقة ،
كانت مارڨريتا هي الوحيدة التي تحمل ما بينهن الكيس لحبوب البن الأصيل النادر.
أثناءها أخبرها أنه قام بفخ بسيط إذ قام بتظليل الفتيات عن نوعية البذور ، حتى يرى نزاهتهن.
فمعظمهن كذبن وغششن في المسابقة ، منهن من اشترت الزهرة ومنها من سرقتها ومنها من اشترتها بثمن باهض خارج المملكة ،
ظنا منها أنها ستعوض ذلك بعد زواجها من الأمير.
ومنهن من رمين الفكرة عن رؤوسهن لأن هذه البذور لها صبر كبير في غرسها وفشلن فشل ذريع في الوصول إلى المبتغى الأصلي من شرطه.
ومدح مارڨريتا أنها قامت بالمهمة على أكمل وجه ، ولم تغش في الموضوع وجزاء صدقها ومثابرتها ، هو زواجها منه.
فحكمته في كل الموضوع أنه ضرب عصفورين بحجر واحد.
أن يجد فتاة تتصف بالصدق والأخلاق الحسنة وتتسم بالصبر ،
ولكنه اكتشف أنه أصاب حجر ثالث بجمال لم يرى مثله من قبل.
وفي الأخير نالت مارڨريتا ما كانت تحلم به طيلة الوقت هو أن تكون مع حب حياتها ،
وأن تكسب رجلا يقدرها ويحتويها ، لا أن تكسب مالا وقصرا ،
وهذا ما جوزيت به كلاهما ، لأنها لم يكن بقلبها طمع أو خداع منذ البداية.