عدو النساء الغامض
جارنا الأستاذ عبدالعزيز ، ذاك الرجل طويل القامة ، مهيب الطلة ، أنيق الملابس ، مهذب الشعر ،
كلما رأيته أشعر أني رأيت بطل من أبطال أفلام الأبيض والأسود ، وكنت أشعر بكمية غموض به تثير الريبة.
أتذكر رائحة شقته حين يفتح الباب ،رائحة غريبة ، بخور وأتربة وحتى رائحة رطوبة.
أما عن شقته فكانت كالمتحف الفرعوني ، مليئة بالأنتيكات والتحف التي تجذب العين وتثير الفضول.
كما أتذكر حينما كنت طفلة ويصطحبني أبي لزيارته لإحتساء القهوة معه ولعب الشطرنج ،
كنت أظل جالسة بجوار أبي ومتلاصقة فيه كملابسه.
لكن عيني تظل زائغة على تحفه العتيقة ، وأتذكر علبة الشيكولاتة الفخمة التي كان يمدها لي لمحاولة التودد لي ،
حتى أظهر له بعض الإستلطاف ، لكنه لم يحدث.
كلما تقدمت بالعمر يزداد خوفي من ذلك الرجل ويزداد هو غموض ، وكنت أتعجب أكثر لأنه كبير بالسن ولا زال أعزب!
لذلك أطلقت عليه ، عدو النساء.
وذات يوم بعد عودتي من المدرسة وكنت بعمر الخامسة عشر ، أثناء صعودي الدرج ،
قد شممت رائحة غير تلك المميزة تخرج من شقته ، كانت رائحة حريق ،
وقد كان الباب مفتوح فضولا مني أو خوفا عليه طرقت الباب ودخلت مهرولة له ،
فوجدته بالمطبخ وحين رأني قال لي لا تخافي يا فاطمة لم أقتل أحد.
تراجعت خطوات للوراء بذهول مما سمعت ، وبدأت أفكر بالفعل بأنه يخفي جريمته.
لكنه إصطحبني لخارج المطبخ وقدم لي تلك الشيكولاتة اللعينة حتى أهدأ من روعي.
قال لي ، نسيت الأكل على النار فاحترق ،
وهنا تجرأت وسألته لماذا لم تتزوج حتى الآن يا أستاذ عبدالعزيز؟!
إقرأ أيضا: تقول تزوجنا بعد سنة من التخرج أحببته وأحبني كثيرا
فرد على بضحكة ساخرة ، لماذا لكي تراعي الأكل حتى لا يحترق؟!
فقلت له ، ليس هذا فحسب سنة الحياة هكذا.
فاغرورقت عيناه وقام لجلب سيجارته اللعينة الطويلة ،
هل أتركه وأرحل؟!
لا لن أجد فرصة أخرى للتحدث معه!
وتظاهرت بعدم رؤية حزنه ولا دمعاته الحبيسة فأعدت عليه السؤال.
فعاد لمقعده وهو يخرج من منخاره المحدب دخان سيجارته ، وبعد تنهيدة طويلة شعرت وكأنها تفتك ضلوعه.
إسترد قائلا ، أحببت فتاة وكانت زميلتي بالعمل حيث كانت معلمة تاريخ ، وتحب جمع التحف والأنتيكات وذهب بعينه للتحف التي عنده.
ثم تنهد وقال ، تمت خطبتنا وحددنا موعد الزفاف لكن الموت كان أقرب لها مني ،
فتراجعت للخلف بذهول ، وسألته كيف توفيت؟!
قال بأسى ولم يتمالك دموعه من السيل ، بحادث سير!
وعم الصمت دقائق فكسرته بسؤال آخر
ولماذا لم تتزوج بأخرى؟!
فقال لي…ماتت كل النساء في نظري بوفاتها!
ومرت الأعوام وسمعت بوفاته ، حيث وجدوه بغرفته وبجواره صورة لفتاة وممسك بإحدى التحف بيده.
قد رحل الرجل الغامض الوفي الذي علمني بأن لا أحكم على أحد لمجرد رؤيته.
كلا منا مر بتجارب ومعارك مع الحياة لم يمر بها أحد غيره ، قلوبنا أبواب لا يعلم ما خلفها غير خالقها.