عشبة خضراء الجزء الأول
يحكى في بلاد بعيدة عن سلطان كان دائما يدعو الله ليرزقه بأبناء يفرح بهم ، ونصحته زوجته أن يتزوّج إمرأة أخرى ،
لكنه رفض لأنّه يحبّها.
وذات يوم سهر كثيرا ولم ينم إلاّ في الفجر ، فرأى في حلمه ملاكا يمد له إناءا من الذهب ولما أمسكه بين يديه فاض الماء على جوانبه.
لمّا نهض استدعى العرافين الذين نظروا في النّجوم ، بشّروه أنّ إمرأته تنتظر مولودا قوي السعد وفي تمام الشهر التاسع ،
ولدت له طفلة جميلة مثل القمر واسعة العينين وشعرها أشد سوادا من ظلام الليل.
كان هناك جفاف في المملكة عانى منه الناس وانتشر فيهم الجوع والفقر ،
لكن بمجرد أن بدأت الرضيعة في البكاء تجمّعت السّحب في السّماء ونزل مطر غزير ،
فامتلأت الأودية وفاضت الآبار بالماء وكلّ بقرة ونعجة ولدت ذلك اليوم توأما ،
أما الأرض فأزهرت وصارت خضراء فهلل الشعب لمولد أميرته ولهذا سماها عشبة خضراء.
ولما كبرت الطفلة أصبحت تلعب في حديقة القصر فتغني لها الطيور وترفرف حولها الفراشات الملونة ،
وكل ما سارت إلى مكان رافقها الخير وخاف عليها أبواها من الحسد فصنعا لها قلادة من الودع فوضعتها في رقبتها وفرحت بها كثيرا.
وكان لعشبة خضراء ثلاثة بنات عمّ جميلات كن يلعبن معها وقلما يفارقنها ،
لكنّهن بدأن في الغيرة منها حين زاد جمالها حتى أن من يراها يقول أنها حورية وليست إنسية ،
ولم يعدن يطقن نظرات الإعجاب في أعين الأولاد الذين يهدون إليها الورد وقواقع البحر التي تحبها ولا يهتمّ أحد بهن.
في أحد الأيام ضقن بها ذرعا واتّفقن على التّخلص منها لعل أحد الذئاب أو الضّباع يأكلها فيسترحن منها ،
ويبقى الاهتمام والإعجاب لهن فقط.
إقرأ أيضا: لمَ أنت حزين؟
فدعونها للخروج إلى الغابة للفسحة وجمع التوت البّري ،
وعندما وصلن قرب الأشجار قلن لها : خذي هذه السلة واملئيها الثمار ،
أما نحن فسنفرش حصيرة ونسخن الماء لطبخ الشّاي وبعد ذلك نناديك.
بدأت عشبة خضراء تجمع التوت وتغني حتى إمتلأت سلتها وحين إلتفتت حولها لم تجد لا البنات ولا العبيد ،
فأخذت تبحث عنهم وتنادي بأعلى صوتها لكن لا من مجيب.
فشعرت بالخوف وجلست تحت شجرة صغيرة لعل أحدا يأتي لأخذها.
ومر الوقت وبدأ الظلام ينزل وهنا فهمت أن بنات عمها إحتلن عليها لتضيع في الغابة وتموت.
وضعت يديها على خدها وشرعت تفكر في حل لهذه الورطة ولم تكن تتصوّر أن تعمي الغيرة أقرب النّاس إليها.
وهبت رياح شديدة فعلق شعرها الطويل بأغصان تلك الشجرة فأيقنت بالهلاك ،
وقالت إن لم أخلص نفسي سأكون فريسة سهلة لوحوش الليل.
ومرت أمامها حمامة فسلمت عليها وطلبت منها أن تحلّ ظفيرتها مقابل إعطائها ودعة من قلادتها لكنها أدارت رأسها وطارت.
جاءت الغزالة ثم الأرنب وكل حيوان يأتي ويرى جمالها يغير منها ويتركها رغم توسلاتها.
وبينما هي كذلك إذ سمعت حفيفا بين الأوراق ، فانكمشت على نفسها وفجأة ظهر ولدين توأم ،
لكن منظرهما بشعّ فعرفت أنّهما غولين صغيرين وأخذا ينظران لقلادة الودع على صدرها.
فقالت : سأعطيها لكما مقابل تخليص شعري
فوافقا على ذلك وصارا ينزعانه شعرة بشعرة حتى أتما ذلك ،
ثم أخذا الودع وصنعا منها قلادتين ثمّ علقاهما في رقبتهما وهما يشعران بالسرور لهذه الزّينة.
قال لها أحدهما : أنا سعفان وهذا أخي نعسان لكن بالله ماذا تفعلين وحيدة في هذا الظلام؟
إقرأ أيضا: حكاية الأمير الجزء الأول
فقصّت عليهما ما حدث لها مع بنات عمها وأنها تشعر بالجوع والبرد ،
فقالا لها : إن بقيت هنا فلن تعيشين حتى الصباح وبعد قليل ستخرج الذئاب وتبدأ في العواء ،
لكن تعالي معنا وسنقنع أمنا الغولة بالبقاء معنا في كوخنا.
ذهبت عشبة خضراء مع الغولين التوأمان الصغيرين ، لما وصلوا إلى الكوخ وجدوا الغولة تجمع البيض من قن الدجاج وكان كثيرا جدا ،
وحين رأتهما قالت : لا أعرف ماذا حدث ليزداد الخير هذه الليلة!
رد سعفان : قد يكون ذلك بفضل تلك البنت.
صاحت الغولة : عن أي بنت تتحدث وهنا دخلت عشبة خضراء وقالت : عني أنا يا خالة ،
فتعجبت من جمالها الباهر وقالت : لا شك أنك جائعة أدخلي وسأطبخ لكم العشاء.
فجلست حول الطاولة مع الولدان اللذان كانا يختلسان النظر إليها ويبتسمان بعد قليل حضر الطعام فتعشّوا وناموا.
في منتصف الليل جاء الغول وما أن دخل حتى شم رائحة آدمي فسأل إمرأته إن كانت قد إصطادت أحدا!
فقصت له حكاية عشبة خضراء وقالت له : لن نأكلها وسأربيها كإبنتي.
حك الغول رأسه وأجابها : لم نذق اللحم منذ مدة والطرائد قليلة في الجبل ،
لكن الغولة ألحت عليه ، فقال :حسنا يا إمرأة لكن على شرط أن تأتي برزقها.
في الغد خرجت البنت أمام الكوخ وأخذت بصلة وحبة طماطم وجزرة ثم زرعتهم وصبت عليهم الماء ،
ولما حل المساء أطلت الغولة من النافذة فرأت النباتات الخضراء منتشرة قرب الكوخ ،
فقطبت حاجبيها من الدهشة وتساءلت : كيف حصل ذلك فلم يكن هناك شيء هذا الصباح!
ولم تمض سوى بضعة أيام حتى ظهرت حبات الخضار وفرحت الغولة وزوجها وكثرت الغزلان في الغابة ،
وصار الغول يصيد منها فصح بدن عشبة خضراء من أكل اللحم ،
وتعلمت الصيد ولبست الجلود وأعجبتها تلك الحياة ولم يكن يألمها سوى غياب أبويها.
إقرأ أيضا: عائلة الجيران
في أحد الأيام إبتعدت كثيرا على الكوخ فرأت راعي أغنام يمر أمامها بقطيعه فطلبت منه إعطائها عنزة صغيرة لتربيها فهي تشتهي الحليب ،
لكنّه أجاب : كان بودي ذلك لكن كما ترين أنا راعي فقير ومنذ اليوم الذي إختفت فيه عشبة خضراء لم نرى مطرا ولا خيرا.
أجابته : لا عليك إرجع غدا وستجد الكلأ لماشيتك!
أراد الراعي أن يسألها عن حالها وإن كانت جنا أو إنسان لكنها إختفت بسرعة بين الأشجار.
في الغد رجع الراعي وتعجب لوفرة الحشائش فهتف :
غير معقول إنها الأميرة عشبة خضراء كيف لم أفطن إلى ذلك؟ فرغم سوء مظهرها فهي جميلة جدّا.
ولمّا رجع إلى المدينة إنتشر الخبر حتى وصل إلى السلطان فقرر الذهاب إلى الغابة للبحث عن إبنته ،
لكنه رغم دورانه في كل مكان لم يعثر عليها فقلق وزاد به الغم ،
ولم يكن يعلم أن أرض الأغوال مسحورة ولما سمعت بنات العم الثلاثة أن عشبة خضراء لا تزال على قيد الحياة ،
خفن من إفتضاح أمرهن.
وفي الليل أرسلن أحد العبيد للرّاعي ، فقتل نصف القطيع وكتب على الحائط تهديدا بقتل البقية ،
إن تحدث مرة أخرى عن عشبة خضراء.
فخاف الراعي وقال للناس أنّه ليس متأكدا وقد تكون الفتاة التي رآها من الجن.
في أحد الأيام خرج ذلك الرجل للرعي كعادته وفجأة جاءته عشبة خضراء وكان معها الغولين سعفان ونعسان ،
فحاول أن يبتعد عن طريقها ، فقالت له يا رجل هل هذا جزائي على الخير الذي أعطيته لك !
أجابها بسببك خسرت عشرة عنزات ثم دفع ماشيته وابتعد وهو ينظر خلفه.
إقرأ أيضا: عشبة خضراء الجزء الثاني
قالت عشبة خضراء للغولين : أنا متأكدة أن بنات عمي هن من فعل به ذلك ،
وأنا لا آمن حتى على أبي وأمي من شرّهن وقدحان الوقت لأذهب للقصر وأخبر الجميع بما يحصل.
قالا الغولين : لن نتركك وحيدة.
أجابتهما لا تقلقا سأخبر والدي أني بخير وأتفق معهم على أن يأتيان لرؤيتي في الغابة.
إتبعت الفتاة الراعي من بعيد حتى وصل قرب المدينة وكانت الفتاة تضع علامة على الأشجار لتعرف طريق العودة ،
مشت قليلا فوجدت إمرأة تجفف ملابسها في الشمس فسرقت عباءة إلتحفت بها ،
ثم غطت وجهها بعد ذلك إندست وسط الناس ودخلت من بوابة المدينة دون أن يسألها أحد.
فكرت عشبة خضراء في الطريقة التي ستدخل بها القصر ،
فهي تعرف خبث بنات عمها ولا شك أنهن دسسن أعوانا يراقبون الداخل والخارج.
يتبع ..