إسلام

عملاق الإسلام وكهف العدالة عمر بن الخطاب

عملاق الإسلام وكهف العدالة عمر بن الخطاب

النبي عليه الصلاة والسلام نعته بالفاروق ، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا نعت إنسانا بصفة عالية فهي حق ،

لأنه فرَّق بإسلامه بين الحق والباطل.

وسماه علماء السيرة : ( جبَّار الجاهلية ، عملاق الإسلام )

هذا الصحابي الجليل ينفرد من بين الصحابة رضي الله عنهم بتفوق في رحمته وفي عدله.

في لندن يوجد مكان يزوره كثير من الناس كُتب على مدخله : ( كهف العدالة )

هذا المكان هو تخليد لهذا الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب.

كان سيدنا عمر خليفة للمسلمين وإماماً لهم ، فتح الله له فتحاً مبينا ،

حتى هابته ملوك الأرض ، وتدحرجت عند قدميه تيجانها ، وجرت بين يديه الأموال كالأنهار.

هذا الصحابي الجليل من شدة تواضعه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس ، وينام حيث يدركه النوم ،

فوق الحصير ، في داره ، أو فوق الرمال ، أو تحت ظل النخيل ، يأكل ما يجد ،

شريحة من لحمٍ مقدد ، أو شريحة من خبزٍ مبللة بالزيت.

لما دخل عمر في الإسلام ، صار المسلمون يعبدون الله جهرا ، بعد أن كانوا يعبدونه سرا ،
إذا : ترك أثرًا واضحًا في إسلامه.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
” لو كان بعدي نبيٌّ ، لكان عمر بن الخطاب “

مرة سيدنا عمر رأى عجوزا تحمل مكتلا يؤودُها حمله ، فتقدم منها ، وحمله عنها بعض الطريق ،

وأخذ يضحك ملء نفسه ، وهو يسمعها تقول شاكرةً له :

” أثابك الله الخير يا بُنَي ، إنك لأحقُّ بالخلافة من عمر “

كان عمر يؤم الناس في الصلاة فَيَسمع بكاءه ونشيجه أصحاب الصف الأخير.

مرة هرول عمر وراء بعير أفلت من حظيرته ، ويلقاه سيدنا علي بن أبي طالب فيسأله :

إلى أين يا أمير المؤمنين؟ فيجيبه : بعير ند من إبل الصدقة أطلبه ، فيقول له علي رضي الله عنه : لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك.

1 3 4 10 1 3 4 10

فيجيبه عمر بكلمات : والذي بعث محمداً بالحق ، لو أن عنزة ذهبت بشاطئ الفرات ، لأخذ بها عمر يوم القيامة.

أي أن إدراكه للمسؤولية كان بدرجة تفوق حد الخيال.

كان يمرُّ على الناس متستراً ليتعرف أخبار رعيته ، فرأى عجوزاً ، فسلَّم عليها ، وقال لها :

إقرأ أيضا: شؤم المعصية والذنوب وأثرهما على الفرد والمجتمع

ما فعل عمر ؟ قالت : لا جزاه الله عني خيراً! قال : ولم ؟

قالت : لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي أمر المؤمنين دينار ولا درهم!

فقال لها : وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع ؟

قالت : سبحان الله ، والله ما ظننت أن أحداً يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها!

فبكى عمر ثم قال : واعمراه ، كل أحدٍ أفقه منك حتى العجائز يا عمر.

ثم قال لها : يا أمَةَ الله ، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر ؟ فإني أرحمه من النار.

قالت : لا تهزأ بنا يرحمك الله ، فقال لها : لست بهزّاء ، ولم يزل بها حتى إشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينارا.

وبينما هو كذلك إذ أقبل سيدنا علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما فقالا :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت : واسوأتاه ، أشتمتُ أمير المؤمنين في وجهه؟

فقال لها عمر : لا بأس عليك رحمك الله ، ثم طلب رقعة يكتب فيها فلم يجد ، فقطع قطعة من ثوبه وكتب فيها :

( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما إشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا بخمسة وعشرين ديناراً ،

فما تدّعي عند وقوفه في المحشر بين يدي الله تعالى فعمر منه بريء )

وشهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود ورفع عمر الكتاب إلى ولده وقال :

” إذا أنا مت فاجعله في كفني ألقى به ربي “

ذات مرة كان جالسا مع أصحابه ، فاقتحم المجلس رجل مكروب ، تغشاه وعثاء السفر ،

وحين اقترب من الناس ، رآهم وسمعهم يقولون لأحدهم : ” يا أمير المؤمنين “

فيتّجه صوبَ هذا الأمير ، ويقول له في مرارة : أأنت عمر؟

إقرأ أيضا: درة بنت أبي لهب رضي الله عنها

ويل لك مِن الله يا عمر ، ثم يمضي لسبيله غير وان ، ولا مكترث !

لحق به الحاضرون في غيظ وحنق ، ولكن عمر يناديهم ويأمرهم أن يعودوا لمجلسهم ، ويهرول هو وراءه وقلبه يرتجف.

لحقه حتى أدركه ، فقال له : ويلي من الله ، لماذا يا أخا العرب؟

فيجيبه الرجل : لأن عمالك وولاتك لا يعدلون بل يظلمون ، ويسأل عمر : أي عمّالي تعني؟

فقال : عاملك على مصر، اسمه عياض بن غَنم ، ولا يكاد عمر يسمع تفاصيل الشكوى ،

حتى اختار من أصحابه رجلين يقول لهما : إركبا إلى مصر ، وأتياني بعياض بن غَنم “

كان شديدًا على ولاته ، ويحاسبهم دون هوادة.

كان يقول : واللهِ ، لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق ، ( هو في المدينة )

ويقول لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق ، لحاسبني الله عنها ، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟

سيدنا عمر بن الخطاب كان على المنبر يخطب ، فقطع الخطبة ، وقال كلاماً لا معنى له :

قال : ( يا عمر ، كنت راعي إبل ، ترعى إبل بني مخزوم على قراريط في مكة ) ، ثم تابع الخطبة!

ما علاقة هذا الكلام بالخطبة؟! لم يفهم المسلمون هذا الكلام؟

فبعد إنتهاء الخطبة سأله أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي قلته على المنبر؟

فقال له : جاءتني نفسي فحدثتني وقالت : يا عمر ، ليس بينك وبين الله أحد.

( أي أنت في قمة المجتمع الإسلامي ، أمير المؤمنين ) فأردت أن أعرِّفها قدرها.

سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال :

” إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا ،

وأيمَّ الله لا أوتينَّ بأحدٍ وقع فيما نهيت الناس عنه ، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني “

فصارت القرابة من عمر مصيبة.

مرةً رأى سيدنا عمر إبلا سمينة ، قال : لمن هذه الإبل؟ قالوا : هي لإبنك عبد الله ، قال : إئتوني به ، فلما جاءه قال : لمن هذه الإبل؟

إقرأ أيضا: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

قال : هي لي ، إشتريتها بمالي ، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن ، فماذا فعلت؟

فقال رضي الله عنه : ويقول الناس ، إرعوا هذه الإبل فهي لإبن أمير المؤمنين ،

إسقوا هذه الإبل فهي لإبن أمير المؤمنين ، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين؟!

بع الإبل ، وخذ رأسمالك ، ورُدَّ الباقي لبيت مال المسلمين.

ودائماً كان نشيده : كنت وضيعاً فرفعك الله ، كنت ضالاً فهداك الله ، كنت ذليلاً فأعزَّك الله ، فماذا تقول لربك غدا؟

وكان سيدنا عمر يقول : ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما.

من شدة خوفه من الله عزَّ وجل ، ومن شدة توقيره له.

أما نحن فنقول : الحمد لله الذي ولدت أم عمر عمر ، لأننا استفدنا منه الكثير ، وأعطانا مثلاً أعلى في الرحمة والعدل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?