فأنا بصدق أصلي
فأنا بصدق أصلي
يقول : في طفولتي كنت أرى والدي يحافظ على الصلوات في المسجد وظل والدي لسنوات يشجعني على الصلاة ،
حتى إن أكثر شيء كان يردده عندما يراني ويسلم علي هو : هل صليت؟
حتى لو دخل البيت ليلاً ووجدني نائماً فإنه كان يوقظني برفق قائلا : أصليت العشاء؟
وكنت للأسف ، في كل الحالات أقول له : نعم صليت وطبعاً كنت في كثير من الأحيان أكذب عليه ،
لا خوفاً من العصا لأنه كان لا يضربني بل شفقة من أن يحزن قلبه الطيب بسبب تخلفي عن الصلاة.
كنت أشعر حين أكذب عليه أنه يدرك أنني لم أصلِّ ، وعلى الرغم من ذلك كان يشجعني
قائلاً : بارك الله فيك يا بني.
بل كان يُخرِج ما في جيبه من منتجات مزرعتنا المتنوعة ويعطيه لي مكافأةً على صلاتي ،
والعجيب أنه لم يقل لي يوما : يا كذاب.
لقد كانت مفاجأته لي على كذبي أشد من السياط على جسدي ، كم كانت مفاجأته تؤلمني كل ليلة.
مرت الأيام والشهور وأنا على حالي من الكذب وأبي على حاله من الصبر والتغافل ،
وفجأة توفي أبي ، رحل عن الدنيا وعمري إثنا عشر عاماً ، رحل وتركني وأنا لا أصلي إلا قليلا.
ومرت السنين وأنا في غفلة من أمري ، وسافرت إلى إحدى البلدان العربية وعمري 36 سنة ،
لأعمل مدرساً وهناك حدث لي ما لم يكن متوقعا.
فذات يوم دخلت أحد المساجد أريد صديقا لي فقال لي : تعالَ فاقرأ معنا القرآن ،
فأخذت من يده المصحف محرجا وجاء علي الدور في القراءة ، وكانت أول أية قرأتها هي قوله تعالى :
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } سورة مريم ـ 59 ـ
إقرأ أيضا: قصة من قصص السلف
فاهتز قلبي واقشعر بدني وسال دمعي ، أخذت أردد الآية وأبكي وكأن هذه الآية قد نزلت من أجلي ،
لقد تذكرت ما كان يفعله معي والدي منذ أكثر من عشرين سنة ،
وخفت أن أكون ممن خلف السوء الذي جاء بعد أبيه وضيع الصلاة ،
وساعتها قررت ألا أضيع صلاة لأكون خير خلف لخير سلف.
ومن يومها أحرص ألا تفوتني تكبيرة الإحرام في جميع الصلوات في المسجد وأسأل الله تعالى أن يسامحني على ما مضى.
رحمك الله يا أبي كم أشتاق لهداياك البسيطة التي كنت تحضرها لي فأنا اليوم بصدق أصلي.