فلا تشمت بي الأعداء
ما أجمل هذه الكلمة وما أطيب وقعها على قلبي.
أسوء شعور يمكن أن يعيشه المرء هو أن يكون موضعا لشماتة عدو ، وعِبرة في عيون كاره!
وقد استعاذ منها نبينا صل الله عليه وسلم بقوله الدائم :
اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ.
هذا دعاء مُبارك جميل لا تغفلوا عنه كلما رفعتم إيديكم للسماء ،
ونعمة عظيمة إسألوا الله أن يديمها عليكم فلا يُشِمت بكم عدوًا أبدًا أبدًا.
فلا تشمت بِي الأَعداء
عندما وصل سيدنا موسى إلى قومه غضبانا بعد علمه أن قومه إتخذوا “العجل” إلهًا من دون الله ،
فعبر عن غضبه وألقى الألواح التي كانت بين يديه ،
قال المفسرون بأنها ألواح التوراة التي أنزلت عليه وقد كُتِبت على ألواح من زمرد أو ياقوت أو برد!
لم يكتم غيظه لأنه بشري مثلنا حتى لو كان نبيًا مُرسلًا من عند الله!
ولم يَصبر على شِركِ قومه فأخذ برأس أخيه يجره إليه غضبانا وعاتبا.
قال ابن كثير أن جره لرأس أخيه إثم عظيم لكن سيدنا هارون لم يبادله الشجار بشجار أعنف منه ،
ولا الغضب بغضب آخر يقتل إخوتهما وإنما قال “يا ابن أمي اترك لحيتي ورأسي ولا تشمت بي الأعداء ،
إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، وخشيتُ أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم تتبع قولي”.
إحتوى غضب أخيه رغم أنه لم يكن سببًا فيه.
وألطف ما قرأت في تفسير هذه النقطة أن سيدنا هارون لم يقل يا ابن أبي أو يا أخي ،
وإنما قال ” يا ابن أمي” لأن المقام هنا مقام إستعطاف وتهدئة وإحتواء وطلب رحمة.
إقرأ أيضا: المرأة العثمانية التي يعرفها الروس جيدا إلى يومنا هذا إنها نينه خاتون
فَذِكر الأم هنا أحرى بتذكيره برحمتها وعطفها ،
وقد تحقق له ما أراد فإذا موسى القوي الشديد يقول “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين”.
في هذه القصة دروس عظيمة أولها أن المُحب الحقيقي يستوعب إنفعالات حبيبه مهما كانت قسوتها ،
وأن المُحب الحقيقي أيضًا لا تتأثر محبته وتقديره بلحظة غضب.
وأنه حتى في حالة الخطأ يجدر بنا أن نحترم علاقتنا ونصون الود بيننا فلا نُشمت بنا الأعداء.
وأخيرًا إحذروا من التشهير بالصالحين وتفخيم ذلاتهم أمام الأعداء.
وهنا درس عظيم باتباع نهج الأنبياء في معالجة مشاكلهم مهما كانت كبيرة بعيدًا عن أعين الأعداء والحاقدين.
وقديمًا قالوا : لا تختلف مع أخيك فتشفي صدر العدو فيه وفيك.
“وَلَمّا رَجَعَ موسى إِلى قَومِهِ غَضبانَ أَسِفًا قالَ بِئسَما خَلَفتُموني مِن بَعدي أَعَجِلتُم أَمرَ رَبِّكُم وَأَلقَى الأَلواحَ وَأَخَذَ بِرَأسِ أَخيهِ يَجُرُّهُ إِلَيهِ قالَ ابنَ أُمَّ إِنَّ القَومَ استَضعَفوني وَكادوا يَقتُلونَني فَلا تُشمِت بِيَ الأَعداءَ وَلا تَجعَلني مَعَ القَومِ الظّالِمينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
“الأعراف”.