في عهد السلطان نور الدين زنكي أتى إليه شاب
في عهد السلطان نور الدين زنكي أتى إليه شاب من بلاد الروم وأعلن إسلامه وطلب البقاء في أرض المسلمين .
فقال له نور الدين : ما مهنتك ؟!
قال الشاب : أعمل بالطب وعلاج الجرحى.
فقال نور الدين : هل تقبل أن تعالج جرحى جيشنا ؟!
قال الشّابُّ : هذا والله ما أتيت من أجله يا سيدي فإني أريد أن أكفّر عن ذنوبي وعملي بجيش الكفار.
قال له : يا بني إنّ الإسلام يجُبّ ما قبله والتّوبة تجبّ ما قبلها.
ثمّ قال نور الدين : من أين تأتي بما تحتاج من أدوية ومواد العلاج ؟!
قال له : لا توجد إلا في بلاد الروم يا سيدي.
قال نور : والله لا نرضى أن يكون علاج جرحانا من أرض عدونا.
فقال له : خذ مجموعة من الجُند في غير لباس الجند واذهب إلى بلاد الروم وأتي لنا بمجموعة من الأعشاب والمواد لنصنع مثلها هنا في أرض الإسلام.
فذهب الشّاب وعاد بعد مدة وأحضر معه ما طلب منه قائده البطل المجاهد.
فأعطاه نور الدين بعض القطع الذهبية وقطعة أرض وبعض من المساعدين وقال له :
إزرع هنا كل الأعشاب التي أحضرت معك فإذا استوت فأتنا بها ،
واجعل قطعة من الأرض وازرع لنفسك بها ما تقتات به إن حدث في الأمور أمور .
ففعل الشاب وأتى بعد مدة بما زرع من أعشاب طبية فأعطاه نور الدين مكانا ليقوم بتصنيع الأدوية ،
وأمر له بجلب المواد التي يريدها من بلاد الإسلام بدلا من من الحاجة إلى ما عند عدونا.
وأمر نور الدين بمجموعة من الشّباب أن يتعلموا على يد هذا الطبيب حتى إذا حدث له مكروه ،
يكون هناك البديل ولا يحتاج الجيش إلى مدد من غير أبنائه .
إقرأ أيضا: يحكى أن هنالك ملكا أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه
وبعض فترة أتى الشاب لنور الدين وقال له :
سيدي القائد : إني قد علّمت الشّباب مهنتي ولن يكون هناك حاجة كبيرة لي بعد اليوم ،
فاذن لي أن أحمل سلاحي وأحارب عدو الله كما حاربتكم من قبل فإني أحب أن ألقى الله شهيدا.
قال له نور الدين : فاكتب وصيتك واشتري لك سلاح من حر مالك فلن أعطيك سلاح فتعجب الشّاب وقال سمعا وطاعة.
وقال له نور الدين مستدركا : فاكتب وصيتك فإنّ لك أهل ومال ففعل .
ودخل الشّاب في جيش المسلمين وأبلى بلاء حسنا حتى أنّ جنود الروم كانوا يفرون من أمامه ويقولون شيطان شيطان ،
إنّ الجن يحارب مع جيش المسلمين من شدة بطشه على العدو.
وبعد أن فرغت المعركة بحث نور الدين عن الشّاب فلم يجده وسط الأحياء ولا الجرحى فذهب بنفسه بين الشهداء يبحث عنه.
فاحتضنه نور الدين وبكى بكاء شديدا حتى علا نحيبه وبينما يحتضنه نور الدين وجد رقعة في جيب صدره فأخرجها فإذا بها مكتوب :
سيدي أوصي بشطر مالي لأهلي والآخر يجهز به جند صدقة لي بعد مماتي.
سيدي نور الدين : لقد فهمت ما كنت تطلبه مني ، أنت أعطيتني الأرض حتى يكون الجندي المسلم يأكل من عمل يده ،
ورفضت أن تعطيني سلاح حتى يكون أول سلاح من حر مالي وأتيت لي بالعشب والعقار من بلاد الإسلام فأنت تقول لي بما فعلت
أنّ المسلمين لن ترفع لهم راية إلا إن كان طعامهم من عمل يدهم ،
ودوائهم وسلاحهم من صنعهم فجزاك الله عني خيرا ، وأسأل الله أن تكون رفيقي في الجنة.
المصدر
البداية والنهاية لابن كثير .