في قرية روسية كانت تسكن فيها عائلة سيمون
في قرية روسية كانت تسكن فيها عائلة سيمون التي تتكون أسرته من أربعة أفراد ، تقتات على جمع الحطب ، ومن مردود بيعه يلبي به جميع طلباتهم.
كان سيمون ينهض باكرا كي يتوغل في نواحي الغابة الكبيرة المليئة بالأخطار ،
كي يجمع الأغصان والحطب الصلب الجاف ثم يربطه حزمة حزمة.
وفي الظهيرة يعود وهو محملا على ظهره ربطة كبيرة من الحطب.
وفي اليوم الموالي يبيعه في السوق بمال زهيد ، وهكذا تعود سيمون وأسرته على نمط حياتهم وقناعتهم بالقليل زاد من رضاهم.
حتى في ذات يوم ، خرج سيمون ولم يعد للمنزل ليجدوه الصيادين بعد يومين في وسط الغابة مقتولا من طرف إحدى الحيوانات المفترسة.
حزنت الأسرة كثيرا على رب منزلهم ولم يجدوا معيلا أو معينا بعده لتلبية حوائجهم.
بما أن باتريسيوا لايزال صغيرا بعمر الرابعة سنوات ، وسمندا هي أكبر من أخيها بأربع سنوات ،
فهي أيضا لا يعتمد عليها في كسب قوت أفراد أسرتها بالكامل.
فقررت الوالدة هي من تتولى زمام الأمور ، وتكون خليفة زوجها في جمع الحطب من الغابة.
وفي يوم استيقظت والدة سمندا باكرا كي تجرب حظها في جمع الحطب لأول مرة ،
وما إن داست قدمها أرض الغابة حتى تملكها الخوف والرعب ، وأكثر شيء خافت على ولديها أن يصيبها ما أصاب زوجها.
فمن يكفل سمندا وباتريسيوا بعدها؟ وخاصة أن كل الأهل يعيشون بعيدا كل البعد عن قريتهم.
فتراجعت المسكينة والحزن يتملكها. فبعودتها لن يكون هناك طعام يسد جوع أسرتها ، ومن خلفها الموت قد ينتظرها.
وبينما هي كذلك حتى وجدت ابنتها تناديها والابتسامة تملأ فاها ، قبلتها أمها من جبينها ، وطلبت منها العودة للمنزل كي لا تصاب بالبرد.
إقرأ أيضا: ابنة الجار الجزء الأول
ولكن سمندا علمت ما يقلق والدتها ، فهي بنت ذكية وتعلم جيدا ما هي الأحوال التي آلت إليها أسرتها خاصة بعد وفاة والدها.
حينها طلبت سمندا من والدتها أن ترافقها ، وسيساعدهما ثابيان بإيجاد المكان المناسب الذي يتم فيه جمع الحطب الصلب.
فغضبت والدة سمندا من كلامها ، وأنبتها مجددا على الكلام السخيف الذي يصدر منها كل مرة ،
وذكرتها بآخر عقاب كان لها بسبب ذكر اسم ثابيان الذي يخيل إليها منذ سنين.
كانت سمندا دائمة الشكوى لوالدتها بأن الأطفال لا يحبون اللعب معها ، حتى قررت أن تهجرهم ، ولا تعيد الاتصال بهم واللعب معهم ،
إلا فتى واحد كان من بينهم كما إدعت.
كان دائما ما يدافع عنها ويتبادل أطراف الحديث معها ، حتى أنه يقوم باللعب سويا في أي وقت شاء.
وعندما اكتشفت والدتها أن ثابيان مجرد وهم وسراب ، رسمته إبنتها في مخيلتها كي يكون صديقا مقربا تقضي معه معظم وقتها.
لحظتها حاولت والدتها مرارا وتكرارا أن تخرج الفكرة من رأسها وتعود لصوابها لكن عبث.
تعلقت أكثر سمندا بهذا الفتى الخيالي ، وأصبحت تراه ليلا نهارا ، جهرا سرا ، حتى خرجت عن السيطرة ،
ولم تعد والدتها قادرة على منع إبنتها بالتحدث كالمجنونة مع شخص غير موجود لا يراه غيرها.
وفي وسط ضعف والدة سمندا على اتخاذ القرار بالرجوع النهائي لمنزلها خائبة الرجاء بيديها الخاوية تلك وباتريسيوا الذي يستقبلها يشكوا لها جوعه ،
أو تضع حجرا على قلبها كي يسكت هلعها وتمتثل للأمر بذهابها للغابة كي تجمع الحطب.
في تلك الأثناء استطاعت سمندا أن تقنع والدتها بالعدول عن قرارها ،
وأن تكمل مشوار طريقها ، ربما لعل وعسى قد تنجحا ويكون الأمر ميسرا لهما.
وطيلة الطريق كانت سمندا تتحدث مع صديقها ثابيان حتى والدتها نسيت خوفها من وحشة الغابة ،
وتملكها الخوف من إبنتها التي تضحك كثيرا وتتحدث مع الفراغ أكثر.
إقرأ أيضا: حكاية تين هينان
تقوم بحركات صبيانية كالقفز والركض ورمي الطوب هنا وهناك ، حتى وصلتا إلى مكان غريب نوعا ما.
فأخبرت سمندا والدتها أن ثابيان يقول أن ما بين هذه الأشجار الكثيفة ، سنجد ما نبحث عنه.
فاستغربت والدة سمندا من قناعة إبنتها بثابيان وهي ترى أن معظم الأشجار طرية وأغصانها ندية لا تصلح جمعها لتستعمل في التدفئة أو أي غرض آخر يقوم باستعماله!
ولكنها لم تشأ أن تعود أدراجها ، بل قررت المواصلة رغم أملها الضئيل جدا..
وبينما هما يتوغلان مابين الأشجار الضخمة ، إذ بهما يسمعان صوت جراء صغيرة ،
فظهرت بالفعل أمامهما مجموعة منتشرة في الأنحاء ، فاعجبت سمندا بإحداها ،
حملتها كي تريها لثابيان تؤكد له على جمال لون عيونها الصغيرة.
لكن ذاك الإعجاب هناك من قطعه فجأة بظهور كلب ضخم يكشر على أنيابه.
فتركت سمندا الجرو من بين ذراعيها ليركض ويحتمي خلفه.
أثناءها تشجعت والدة سمندا برميه واخافته بالطوب ، لكنه زاد من تكشيره على أنيابه التي تسيل منها لعابه ،
وهو يزمجر مهددا بالقضاء على من تجرأ ولامس أحد جرائه.
وبينما هو يركض الكلب نحو سمندا ووالدتها للقضاء عليهما ، إذ به يرفع بقوة للأعلى ويرمى بعيدا عنهما ،
لينهض من جديد وهو يئن ويعوي راكضا بعيدا عنهما.
حينها ظهرت سمندا التي كانت تختفي خلف والدتها وهي تصفق وتشكر ثابيان على ما بدر منه من إنقاذها هي ووالدتها.
وقفت لحظتها والدة سمندا مشدوهة مذعورة مما وقع قبل قليل من مرأى عيونها ،
وعندما تأكدت أنه ليس بحلم أيقنت أن هناك حقا ثالث معها وابنتها.
فأعربت عن إمتنانها لفعله أيا كان ، وطلبت من إبنتها أن تشكر ثابيان بدلا عنها.
وبعد لحظات من تقدم سمندا ووالدتها للأمام ، إذ بهما يجدان وكأنها غابة مصغرة تضم أشجار ميتة جافة ، كل جذوعها وأغصانها يابسة.
إقرأ أيضا: كان هناك أخوان إثنين قررت والدتهما أن تزوجهما
حيث كانت الأشجار الضخمة الكثيفة تلك ، تحجب عن الأشجار قصيرة الحجم كل مصدر يجعلها تحيا وتنبت فروعها من جديد.
فكم فرحت سمندا ووالدتها بما توصلا إليه ، وأن المغامرة والمخاطرة باءت لهما بنجاح لم يتوقعاه.
ليمتد معهما سنين طويلة أخرى كانت مصدر قوتهما.
وأصبحت بعد ذلك عائلة سيمون ، تكاد تكون الوحيدة التي يباع من مخزونها الحطب الصلب في كامل الفصول ،
يقصد بابها كل من احتاج إليه في أي وقت.
أما ثابيان فهو لا يزال يظهر لسمندا وحدها أينما كانت ،
وعندما عرضت على أحد المنجمين ومحجوبي الرؤية ، أخبروها ان ثابيان هو صبي ولد بنفس اليوم الذي ولدت فيه سمندا.
ولكنه توفي وهو في عامه الخامس.
كانت والدته تندب ليلا نهارا على فراقه وبهذا لم تدع روحه تفارق الدنيا بسلام ،
ولكي لا يبقى وحيدا في عالم أصبح غريبا عنه ،
صادق سمندا التي ولدت بنفس الساعة والدقيقة التي ولدت فيه سمندا ، ليصبح توأمها الذي لا يظهر إلا لها ليجعلها قرينه للأبد.