في كافتيريا المدرسة لفت انتباهي طفل لم يتجاوز السابعة من عمره يمسك بصندوق طعامه المفتوح ويتنقل بين الطلبة ،
ومعلمته تنظر إليه وإلى رفاقه بهدوء أغاظني.
اقتربت منه بهدوء المستكشف لعلّي أكتشف سر صندوقه.
صباح الخير شو اسمك؟
هو : (بتحفّظ) كريم.
أنا : معك سندويشة يا كريم؟ (ظننته سيتاجر بمحتويات صندوقه من حلوى مقابل سندويشة مثلا.
هز رأسه على استحياء وأراني صندوقه المفتوح ثلاث شطائر صغيرة ،
ملفوفة بعناية وأكاد ألمح فيها لمسة أم بنكهة حنان.
أنا : بطل كريم ، بتقدر تاكل 3 سندويشات؟!
رمقني بنظرة قلق وهز رأسه نافيا ، فبادرتني معلمته بابتسامة قبل أن أسترسل في تساؤلاتي : مس نادية ، إنه يبحث عن شريك!
أنا : لم أفهم!
تابعت المعلمة : كل يوم تجهّز أم كريم له ثلاثة شطائر ، واحدة له (قاطعها كريم : والثانية لصاحبي)
ابتسمت المعلمة : والثالثة لمن يرغب من طلاب صفه!
لم أستطع إخفاء دهشتي من الموقف ، فأنا بالكاد أجهز لأولادي طعامهم صباحا!
بعد أيام قابلت أم كريم في إجتماع أولياء الأمور (والشطائر الثلاث لا تزال عالقة في ذهني) ، فبادرتني بالسلام.
أم كريم : آسفة كثيرا لم أكن أعلم أن تعليمات المدرسة بتمنع مشاركة الطلاب وجبة الفطور! لكنه خير ادّخرته لإبني.
أنا : (باستغراب) ما فهمت!
أم كريم : في بداية زواجي اضطررنا للغربة ، كنت أعمل وأبو كريم ليل نهار لتأمين حياة جيدة لنا ولإبننا البكر (كريم) ،
الذي أضعه صباحا عند جارتي (الله يسعدها وين ما راحت) ،
وأعود إليها بلهفتي بعد الظهر لنذهب معا إلى بيتنا في العمارة المجاورة لنبدأ يومنا الأسري الجميل.
إقرأ أيضا: قصص حقيقية ومؤثرة عن عقوبة الظالم
وتابعت وكأنها تستذكر الماضي ، في يوم وأنا عائدة من الدوام وقد أنهكني التعب والجوع دخلت بالخطأ إلى عمارة أخرى ،
وقد امتلأت بروائح الطعام اللذيذ في موعد الغداء.
روائح اخترقت ذاكرتي وأيقظت الشوق في داخلي ، اشتقت لأمي لطعام أمي وحنان أمي ،
ووجدت نفسي أغرق في دموعي لو أنها هنا ما كان كل هذا التعب ، لو أنها معي لكانت الحياة أسهل وأجمل.
أدركت أنني أخطات العمارة ، عدت إلى جارتي ناولتني (كريم) نائما.
هممت بالخروج وإذ بها تحضر لي طبقا من (الورق دوالي) الذي لم أذقه منذ آخر زيارة لي لأهلي في عمان لصعوبة تحضيره!
جارتي : كريم انبسط عالأكلة ونام قبل ما يتغدى منها مزبوط ، حسبت حسابكم بهذا الطبق.
لن أصف لك يا مس نادية سعادتي وأنا ألتقط الطبق وقد جبر الله خاطري بشيء بسيط ، لكنه في حينها كان السعادة بحد ذاتها.
اتصلت بأمي لأشاركها سعادتي عدة مرات قبل أن ترد علي أخيرا : وينك يا أمي ما بتردي؟ قلقتيني.
أمي : صحيت مشغولة بالي عليك من الصبح ، استعذت بالله من الشيطان وطبخت طبخة لجارتنا أم محمد لأنها مريضة بعتلها إياها ،
وقلت : يارب ادخرتها لبنتي في غربتها.
صمت بعدها ، قررت أن أدخر لابني ما يجبر خاطره في كل حين ،
فلربما تكون في يده شطيرة اشتهاها طفل لم يتسنى لوالدته تجهيز فطوره لسبب ما ،
فيسعد بها سعادتي بطبق ساخن في يوم غريب مرهق!
وغادرتني أم كريم وأنا أدعو الله أن يزيدها كرما وأقول في نفسي :
ادخروا لأنفسكم ولأحبتكم فالخير في سعادة تُمنح وعطاء بنكهة الحب.