في مشعر منى كان البحث عن حصيات لرمي الجمرات أمرا شاقا

في مشعر منى كان البحث عن حصيات لرمي الجمرات أمرا شاقا ، حتى إن بعض الناس كان يمزح قائلا : مين يشتري خمس حصيات بريال!

لكنني وجدت فجأة قارورة صغيرة مملوءة بالحصى ، كنز ثمين!

تورعت أن آخذها أول الأمر ، وقلت : سيأتي صاحبها ليأخذها بعد قليل.

ومرت ساعات طوال ، نمت واستيقظت ، والقارورة مكانها لم يظهر لها صاحب ،

هكذا مددت يدي وأخذتها فجاءني شاب طويل ، وقال لي : من أين أتيتي بهذا الحصى؟

حكيت له القصة ، فقال لي : بس لقطة الحج لا تجوز (لعله يقصد لقطة الحرم) ،

قلت له : لقطة إيه يا عم دي شوية حجارة! لكنني تحرجت من أخذها فقال لي : بص أنا رايح الجبل أجيب حصى ، تعال معي.

هو طبيب أسنان بالرياض ، إسمه د شريف ، كان يعرج بسبب إصابة في قدمه أثناء الحج ،

ويتابع مع طبيب المركز الصحي بمنى بسبب هذا الجرح.

قلت لنفسي : لماذا يخرج معي في جوف الليل ، رغم أن قدمه تؤلمه؟

لم نجد حصى أسفل الجبل ، هكذا تسلقنا الجبل ، حتى وصلنا إلى مكان عال ،

لدرجة أنني فعلا كنت أخشى السقوط وأشعر أحيانا بالدوار ، حاولت ألا أنظر لأسفل وألا ألتفت.

إنتهينا من التقاط الحصى ، وفي رحلة النزول كان هناك رجل باكستاني نائم على الجبل ،

بمجرد أن مر دكتور شريف بجواره ، هب من نومه وقال مشيرا إلى ضرسه : هنا في pain (ألم) موجود!

كان الرجل يتلوى من شدة الألم الذي في ضرسه ، تعجب صاحبي قائلا : هو ازاي عرف إني دكتور أسنان!

كان الباكستاني يحج بلا تصريح ، وليست معه أي إثباتات أو أوراق ، مما يجعل ذهابه إلى المركز الطبي لمنى مخاطرة ،

ولن يرضى أحد أن يكشف عليه ، لكن دكتور شريف كان يعرف الطبيب الذي في المركز ،

بسبب أنه مصاب في قدمه فقد كان يغير له على جرحه منذ أيام.

إقرأ أيضا: هذه الخلطة السرية للتخلص من كل ما يقلق حياتك!

ذهبنا بالرجل إلى الوحدة ، وأخذ الدكتور تذكرة لنفسه ثم طلب من دكتور الوحدة صاحبه ،

أن يكتب لصاحبنا الباكستاني حقنة عضل.

كان ضرس الرجل يحتاج إلى خلع أو حشو ، أخذ الرجل الحقنة وبعض الأقراص ، ثم سألته ،

أين يسكن فقال إنه يسكن في الرياض ، أين في الرياض؟

في حي كذا ، وكانت المفاجأة : الرجل يسكن قريب جدا من المستوصف الذي يعمل فيه الدكتور شريف ،

كلاهما من نفس المحافظة ومن نفس المكان!

هكذا أعطاه الدكتور رقمه وقال : خذ العلاج وعندما تصل إلى الرياض مر علي لحشو الضرس!

كان هذا الباكستاني يرقد في مرتفع من الجبل يتلوى من ألم ضرسه في ظلمة الليل ، فأرسل الله له طبيب أسنان ،

وجعل الطبيب يتسلق الجبل في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل.

أرسل له طبيبا من نفس محافظته حتى يتابع حالته بعد ذلك ،

أرسل له طبيبا له علاقة بطبيب المركز الطبي ليتوسط له أن يكتب له دواء دون أن يرى أوراقه وإثباتاته!

قلت لدكتور شريف : كأن الله أرسلك له ، كنا فقط ذاهبين للاتقاط الحصى!

فقال لي : بصراحة أنا معايا حصى كثير ومكنتش عاوز حصى أصلا ،

أنا كنت رايح أنام ، بس جيت معاك علشان متاخدش الحصى اللي انت لقيته!

اللهم يامن سمعت شكوى هذا الرجل الضعيف في ظلمة الليل فوق هذا الجبل الذي لا يُعلم أوله من آخره ،

ارحم ضعفنا ، واجبر كسرنا، وتول أمرنا.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن ، ونعوذ بك من العجز والكسل ، ونعوذ بك من ضلع الدَّين وقهر الرجال.

Exit mobile version