في يوم كان أبو هريرة جالسا بجانب المسجد
في يوم كان أبو هريرة جالسا بجانب المسجد ومعه مجموعة من الصحابة ، فمر عليهم النبي صل الله عليه وسلم ونظر إليهم وتغيرت ملامحه لوهلة بسيطة ثم قال :
(إن فيكم لرجلا ضرسهِ في النار أعظم من أُحد).
فانصرف النبي لكن كلماته عجزت أن تنصرف من أذهان هؤلاء الصحابة ومن أذهان كل مسلمين المدينة.
إخبار رسول اللّه صل الله عليه وسلم أن واحدًا منهم سيكون من أهل النار ،
هو إخبار ليس كأي إخبار ، وياله من إخبار من الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم ،
فقد حقّت النار على أحدهم وليس أي أحد من عامة القوم أو من مشركين أو كافرين ، بل صحابة عظام أحدًا منهم في النار؟
فمرت السنين والأيام وهذه الكلمات لم تغب عن أذهان أحد.
فمات كل هؤلاء الصحابة على خير والشهادة والإسلام ، ولم يبق منهم إلا أبا هريرة ، و رجلاً من بني حنيفة اسمه (الرَّجَّال بن عنفوة) ،
والرجال هو من الذين وفدوا على رسول الله في وفد بني حنيفة فأسلموا ،
فلزم الرجال بن عنفوة النبيَّ صل الله عليه وسلم ، وتعلم منه ، وحفظ القرآن والأحكام ، وجدّ في العبادة.
يقول عبد الله بن عمر : كان بالرجال بن عنفوة من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيء عجيب.
وقال عنه أيضا : كان من أفضل الوفد عندنا ، كان حافظاً قوّاماً صوّاماً.
وظل إخبارُ النبي عالقًا برأس أبي هريرة رضي اللّه عنه ، وكلما رأى”الرَّجَّال بن عنفوة ” ومداومته على العبادة وزهده.
ظن أبو هريرة عن نفسه أنه هو الهالك وأنه هو المقصود بحديث النبي وأَنه هو الذي سيكون ضرسه أثقل من أحد يوم القيامة ،
وأنه هو صاحب النبوءة ، وأصابه الرعب والفزع فلم يبقى أحد إلا ومات ما عدا هو والرجال ،
وكان الأخير زاهد عابد مؤمن فمن سيكون بالنار غيره ، واستمرت هذه الوساوس تسيطر عليه.
إقرأ أيضا: خرج هرمز قائد الفرس من جيشه على فرسه يطلب المبارزة
فلما ظهر مسيلمة الكذاب في اليمامة وادّعى النبوة واتّبعه خلقٌ من أهل اليمامة ،
بعث أبو بكر الصديق الرجال بن عنفوة لأهل اليمامة يدعوهم إلى الله ، فالرجال كان من خيرة الناس وأتقاهم ،
فذهب ليثبتهم على الإسلام ، فلما وصل إلى اليمامة إلتقاه مسيلمة الكذاب ، وأكرمه ، وأغراه بالمال والذهب.
لكن الرجال رفض هذه الأمور رغم حاجته لها.
فرأى مسيلمة أن الرجال قلبه سيميل لو ضغط عليه أكثر ،
فقرر أن يعرض عليه نصف مُلكه إذا خرج إلى الناس وقال لهم إنه سمع محمداً يقول :
إن مسيلمة شريك له في النبوة وهنا كانت بداية النهاية للرجال بن عنفوة.
فلما رأى نعيم مسيلمة وكان هو من فقراء العرب ، ضعُف ونسي إيمانه وصلاته وزهده ،
وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي صل الله عليه وسلم وأنه من أكثر الناس عبادة وايمانًا ،
فشهد كذبًا أنه سمع النبي يقول : إنه قد أشرك معه مُسيلمة في النبوة ،
وبسبب كذبته هذه اتبعه الالاف في أقل من نصف يوم ، فكانت فتنة الرجال أشد من فتنة مسيلمة نفسه.
فبعث أبو بكر الصديق جيش لمحاربه مسيلمة بقيادة خالد بن الوليد وهزم المسلمين مسيلمة وجيشه ،
ومات مسيلمة ومات الرجال بن عنفوة على الشرك والكفر بعد أن كان ملازمًا للنبي مؤمنًا بالله ورسوله ،
فلما وصل هذا الخبر إلى أبو هريرة سجد باكيًا من الفرحة وتحقق ما قاله رسول الله وأدرك أنه نجا.
فلا تغتر بعبادتك ، وصلاتك ، وصيامك ، وزكاتك ، وصدقاتك ولا تمنن ، وادع اللّه بأن يثبِّتك ، ويختم لك بخير ،
ولا تحقرن أحدًا بذنبه أو لذنبه ، وادع اللّه أن يتوب عليه ،
وَلا تُظهر الشماتة بأخيك المسلم فيعافيه اللّه ويبتليك! فأنت لا تعلم ماذا كُتب في اللوح المحفوظ والعبرة دائمًا بالخواتيم.
المصادر :
سير اعلام النبلاء.
البداية والنهاية.
صحيح الالباني.