قالت إني وضعتها أنثى قصة مؤثرة جدا

قالت إني وضعتها أنثى قصة مؤثرة جدا

أخرجوها من غرفة العمليات ، أعصابه مشدودة ، بدأت ترتاح عندما رأى زوجته بخير.

وقدمت الممرضة بالمولود الجديد ، نسي نفسه وزوجته والعالم بأسره ، ركض إليها مسرعا.
ماذا رُزقتُ؟
أنثى.

تيارات قاسية من الحزن تخرج من جوفه تمر بحلقه وتخترق رأسه!

إنها جميلة جدا ، وقالت أمها إنها (وجْد).
نظر إليها ، شِفاهُ (وجْد) الطرية تتحرك وكأنها تريد أن تبتسم لوالدها.

لكن عيونه كانت تتحدث : لماذا أتيتِ؟! لم أريدك أنتِ! كم إنتظرتُ هذا المولود؟!

يا الله! أيسبغ علينا سبحانه بنعمائه ثم نرْكلُها بدلاً من الحمد والشكر؟!

دخل إلى زوجته بعد أن نقلوها إلى غرفتها ، تحدثت إليه :

ألم ترها؟! إنها جميلة جدا ، أنظر إلى هذه الشعرات الشقراء ما أروعها؟!

لم يردّ سوى بـ : (حمدا لله على سلامتك).

غصت الأم واغرورقت عيناها بالدموع ،
ضمّت إبنتها ، نظرتْ إليه نظرة فاحصة ، كاد يعميها الحزنُ الذي يتلبّسه ،

أشاحتْ وجهها عنه وأرضعت (وجد) فتدفقتْ في لبنها جرعات زائدة من الحب والحنان ،

علها تعوضها ما ستفقد من حنان الأب!

مرت الأيام .. (وجْد) تكبر وتحلو ، وأبوها غير مكترث لها.

غافل عن لحظات السعادة التي تغمر الوالدين عندما يراقبان حركات وسكنات ولدهما ، اليوم لغة ، غداً تحبو ، وبعدها تمشي ، وهكذا.

عيناها الزرقاوان تلمعان وتسحران كل من يراهما بصفائهما وبريقهما.

صار عمرها ثلاث سنوات وخصل الشعر الأشقر وصلت إلى كتفها.

ذات يوم كان أبوها يجلس على الأريكة ذاهلاً عما حوله ، فأمسكتْ الكرة ورمتها إليه.

إرتطمت الكرة برجله ولم ينتبه! ركضتْ نحو الكرة ورمتْها إليه مرة أخرى ، أيضا لم ينتبه.

صعدتْ على الأريكة ، قبلت يده ووضعتْها على وجهها ، لكنه لم يتحرك!

إقرأ أيضا: تقسيم الإرث بالحلال وإلا فالنار أولى

نظرت إليه فإذا هو نائم ، وضعت رأسها على حضنه وبدأت تغني بكلمات قليلة حفظتها من أمها ،

و هي تمرر يدها على يده وكأنه طفلها وهي تنوّمه ، وهكذا حتى نامت هي الأخرى.

دخلت الأم فوجدت الإثنين نائمين معا ، تفاجأت! وامتلأت عيناها بالدموع فرحا.

عندما إستيقظ الأب قبّل (وجد) على رأسها قبلة سريعة و مضى إلى عمله ،

ولأول مرة منذ أن وُلدتْ أخذ يفكر ماذا سيجلب لها وهو عائد إلى المنزل.

لقد تخيل أنه يعطيها السكاكر ، وأنها فرحة ، إمتلأ قلبه بالنشوة عندما تحركت في مخيلته هذه الصورة.

أوقف سيارته ، نزل إلى البائع وجلب لها كيسا مليئا بالسكاكر.

عاد إلى البيت في المساء ، فتحت زوجته الباب وهي في ثياب الخروج!

ماذا دهاك؟! لماذا أنت خارجة في مثل هذا الوقت؟!

أبي مريض ، نقلوه إلى المستشفى وأريد أن أراه.
إذاً أوصلكِ؟

لا ، إبقَ أنت عند (وجد) وسيأتي أخي ليأخذني الآن.
حسناً.

ذهبت أم (وجد) وبقي هو مع (وجد) وحدهما في المنزل ، بدّل ملابسه ودخل إلى غرفة الجلوس.

كانت (وجد) تجلس على الأرض وتداعب دميتها ، رسم ثغرها إبتسامة مميزة كأنها تستدرّ عطفه.

أتعرفين ماذا جلبتُ لك يا وجد؟!
ردّت بابتسامة.

خذي هذه السكاكر ، إنها ملونة ولذيذة.

احتضنتْ وجد السكاكرَ وكأنها أمسكت كنزا ثمينا ، كادت تطير بما تحمل في يديها.

أشارت إليه أن يفتح لها واحدة ، ففعل وألقمها إياها بيده ، مصّت إصبعه وهو يضعها في فيها ، فلأول مرة يضع لها شيئاً في فمها!

ما هذا الشعور الرائع الذي حرم منه نفسه كل هذه الأيام؟

إقرأ أيضا: أصبحت أستاذا بالجامعة بسبب إلتفاتة جاري في الصلاة

جلس إلى أريكته يشاهد التلفاز ، ووجد تلعب مع دميتها ، بدأ يحس بالتعب ، مدّ رجليه على الأريكة وحدّث نفسه : اليوم كان شاقا جدا.

أشاح بنظره عن التلفاز وأخذ ينظر إلى وجد و كأنه يراها لأول مرة ، التعب يزداد ،

صورة وجد تهتز في عينيه من شدة التعب ، اصفرَّ وجهه!

إنه يشعر بالإختناق ، حاول فتح النافذة إلا أن حركته كانت مشلولة ، فكَّ زرَّ القميص قرب رقبته ، وجهه بدا شاحباً جدا ،

العرق البارد يتصبب بغزارة ، قلبه ينبض بسرعة ، أطرافه باردة ، حاول الوقوف يريد طلب المساعدة ،

وقع على الأرض قبل أن تصل يده إلى الهاتف ، لم يعد يرى شيئا ،

حتى قدرته على الكلام أصبحت مشلولة ، الظلام يملأ رأسه!

عرف أنه الموت ، صار يحاول أن يذكر الله بلسانه عله يغفر له ، لكن لسانه لم يستجب.

إنه يشعر بنفَس قربه ، آه إنها وجد إنها قربه!
زحفت وجد نحوه ، يداها ترتجفان وعيناها تبكيان ، لا تعرف ماذا ستفعل؟!

أخرجتْ السُّكرة من فيها فهي لا تملك غيرها!
وضعتْها في فم أبيها ،

وضمَّتْ رأسه بكلتا يديها وهي تبكي وتلثمه من كل مكان في وجهه.

بدأت أمارات الإرتياح تظهر على وجهه ، عادت زوجته بعد زمن قليل فوجدتهُ ملقى على الأرض ، طلبت من فورها الطبيب.

أجرى له الفحوصات ، و قال له : لقد أُصِبْتَ بانخفاض حادّ في السكر ،

وكدت تفقد حياتك ، ولكن هذه السكرة هي التي أنقذتْك!

أخذ يبكي كولدٍ صغير ، إستغرب الطبيب وانسحب لا يدري لم كل هذا البكاء؟!

حملت الأم صغيرتها ومشت باتجاه غرفة نومها ، فناداها : أم وجد!

لأول مرة يناديها أم وجد! إستدارت نحوه مستفهمة ماذا يريد منها.

أريد (وجد).
إنها نائمة.

أريد أن أقبّلها.
إنها نائمة ، قد توقظها.
تعالي إليّ.

بكت أم وجد ، ضمها زوجها وهي حاملة إبنتها وقال لها : سامحيني أرجوك ، سامحيني.

سامحني يا الله! إغفر لي ، حمدا لك يا الله ، حمداً لك.

وضعتْ الأم إصبعها على فم زوجها بلطف وأشارت إليه : أخفض صوتك ، إنها نائمة!

قال لها سأضعها بالسرير بنفسي وأعود أليك حالا!

Exit mobile version