قال الشيخ لتلميذه إياك أن يتوه قلبك عن قمح الآخرة ، وتطوقك هزائم الخطا في المفضول.
تربيتك لأبنائك هو الثغرة الحقيقية ، مشروعك : هم أبناؤك ، رعيتك ، حاشا لله أن يجعل المفضول خيرا من الأفضل.
إياك ثم إياك أن يتوه قلبك عن قمح الآخرة ، وتطوقك هزائم الخطا ، ويموت السبق على أعتاب الدون.
فتهجى الفَهم في دينك ، إنما يقع التخيير بين الواجبات إن تساوت ، أما إن تفاضلت قُدِّم الأفضل على المفضول.
وفي القيامة تسمع الموازين تفاضُلَ الحسنات ،
وكلما كان الليل حالكا بحثنا عن الحسنة الأشد إضاءة كأنها كوكب دُري.
ومن طال قيامه وفاتته فريضة الفجر فتلك خديعته ، وإنما المراد من الأمور عواقبها لا عواجلها.
رُب حسنة تستر عُرِيّ صحائفك ورُبّ حسنة ما لثوابها منتهى.
ولا شيء ينجيك إلا إشتعال الأجور ، فاحمل من الدنيا ما تهرول به في الآخرة ، والمسافات هناك ولود ولود.
سبحان الله كيف الأعمال تتضاعف؟!
وحسرة الوجع في أن لا تلحق ، وقد كنت لحوق.
فلا تغرق في فوضى الأعمال ، وترتد عن الصف الأول ، تلك هزيمة الآخرة لو إطلعت على الغيب ،
والهزائم هناك مضاعفة، فلا تشتتك الجهات الضائعة!
يا وَلدي مِن العُودِ إلى العُودِ ؛ ثَقُلت ظُهُور الحطابين ، ومِن الهفوةِ إلى الهفوةِ ، كثُرت ذنوبُ الخطّائين.
فافهم عني! واعلم أنّ السّلف الصّالح فَقِهوا عن الله أن ( إجْتِنَاب السَّيِّئَاتِ أَشَدُّ على النفس مِن كَسْبِ الحَسَنَاتِ ).
إقرأ أيضا: للأسف نعلم ولا نعمل
لذا قالوا : (تمامُ التقوى ، أن تتقيَ ما يرى أنه حلال خشية أن يكونَ حَرامًا )!
قال التِّلميذ : دُلّني ، كيف أبدأ ؟
قال الشّيخ : إجعَل الله صاحب سرك وخَلْوتك ، وخَفايا عمَلك ، يكُن صاحب علانِيتك.
إجعل الله صاحب وحدَتِك ، وهِجرتك ودقائق تفاصيلك ، يكُن صاحب جَمْعِك.
قل له يا ربّ على بابك يقف عبدكَ الذلِّيل ، قليل الحيلة ، ضعيف النَّفس ، كثير الذُّنوب!
يسألك الهُدى ، وصدق التَّوبة ، وثبات الخُطى ، وهدأة الأنفاس ، وشيءٌ أنت بهِ عليم!