قبل أن ألتحق بكلية الطب كان هناك لغز يؤرقني

قبل أن ألتحق بكلية الطب كان هناك لغز يؤرقني في الأفلام العربية التي أراها : فما إن تشعر المرأة بآلام الولادة حتى تقول إحدى السيدات العجائز لصاحبتها أو يقول الطبيب :

قومي بتسخين الماء.

فتهرع المرأة إلى المطبخ لتغلي إناءاً كبيراً تحمله في حذر إلى غرفة الولادة ،

وهنا ينغلق الباب في وجهنا فلا تعرف ما حدث بعد ذلك.

كان عندي من الشجاعة الأدبية ما سمح لي بأن أسأل أمي عن إستخدام الماء الساخن في الولادة ، فقالت في غموض :

هذه أمور نسائية لا تسأل عنها.

ثم كبرت نوعاً فوجدت كتاباً كتبه طبيب أمريكي يبسط العلوم الطبية للقارىء ، وإسم الكتاب هو ( حتى يحضر الطبيب ).

يقول المؤلف في باب الولادة : لا داعي لتسخين الماء لأن هذا قد يسبب حروقاً خطيرة لك أو الأم أو الجنين.

هذا ما قاله ولم يشرح إستخدام هذا الماء ، أقصد الإستخدام الخاطيء الذي ينبغي أن نتوقف عنه ،

إذن الأمريكان يسخنون الماء كذلك ولسبب مجهول.

دخلت كلية الطب إذن ، وانتظرت في صبر حتى درسنا الولادة.

كل شيء عن الولادة والأغشية التي تنفجر ودوران الرأس وكل شيء ، وقد قمت بتوليد نساء كثيرات في بداية حياتي ،

قبل أن أتخصص في الأمراض الباطنة ، لم يحدث قط أن إحتجت للماء الساخن ، ولم أر أي شخص يحتاج للماء الساخن أمامي.

لكنني فطنت بعد أن إبتعدت عن صرخات غرفة التوليد بعشر سنوات أنني لم أتلق الإجابة قط ،

لم أعرف ما يفعلونه بالماء الساخن في الأفلام.

إقرأ أيضا: جرعة ماء

هكذا انتحيت بأحد كبار أطباء التوليد جانباً وسألته عن سر الماء الساخن ،

فاتسعت عيناه في ذهول وظل ينظر لي عاجزاً عن الكلام بضع ثوان ثم قال :

حقاً لا تعرف ؟ إنسان مثقف مثلك ، أو هذا ما كنت أحسبه ؟ أنت تمزح طبعا لا يوجد تفسير عندي سوى أنك تمزح.

هنا إنفجرت ضاحكاً وقلت له إنني كنت أمزح فعلاً ، عليه ألا يكون ساذجاً لهذا الحد.

هناك مشكلة مزمنة عندي هي أنني لا أبدو كمن يمزح عندما أمزح.

قال لي بلهجة جدية :

أنصحك ألا تسأل أسئلة بلهاء كهذه وإلا ظنوا بعقلك الظنون !

هكذا قضي الأمر وصار علي أن أبقى جاهلاً للأبد ما دمت لا أملك شجاعة أن أبدو جاهلاً لنصف دقيقة ،

وعلى كل حال قد كونت نظريتي الخاصة عن الموضوع.

غالباً يستعمل الماء الساخن لقتل الوليد إذا كان قبيحاً ،

أو هم يحرقون الأم به كي لا تشعر بألم الولادة ،

وربما هم يفعلون هذا لاستفزازي فقط ، أي أنهم يسخنون الماء في كل الولادات كي أجن أنا.

Exit mobile version