قسمتي ونصيبي الجزء الأول

قسمتي ونصيبي الجزء الأول

كنت أحلم بمستقبل أعيشه مع فتاة أتزوجها عن حب متبادل ، ينبض قلبي عند الحديث معها تلك النبضة التي تعلن استسلامه للعشق.

ومع مرور ثلاث سنوات في الجامعة ، كانت عينايَ تبحثان دوماً عن تلك الفتاة التي سَتُدْخِلُ قلبي إلى عالم الحب ،

لكن دون جدوى ، مع أني كنتُ أتحدّث إلى كل بنات دفعتي بلا استثناء ، فكوني الأول في كل سنة ،

كانت كل واحدة تطلب مني إما شرح سؤال أو أخذَ محاضرة ، حتى أنَّ معظَمَهُنَّ يتوَدَّدْنَ إليَّ ،

مما جَعَلَ كل زملائي يحسدوني ، ويُسمعوني الكلام ذاته :

أيامك يا عمي ، لو كنتُ مكانكَ لتنازلتُ لها عن محاضراتي وعلاماتي وقلبي.

فكَونَ قسم الرياضيات ، يتطلّب دماغاً مستيقظة ، كانت أدمغة جميع زملائي ، مستيقظة لكل شيء عدا الرياضيات ،

مما جعلني أتفوَّق عليهم.

قبلَ يأسي من الشعور بالحب ، انتَقَلَتْ إلى كُلّيَّتِنا فتاةً من محافظة أخرى ، بعد أن بدأ الدوام ببضعة أسابيع ،

وعندما طلبَتْ مساعدة الفتيات أخبرنَها أنَّ لا أحد يستطيع مساعدتها سواي ،

فسألَتْني عن المحاضرات التي فاتتها وطلبَت مني أن أشرح لها الذي لم تحضره ،

فجلسنا في المقهى التابع للكلية ، وما إنْ بدَأت بالشرح ، وأنا أنظر إليها حتى ارتعش قلبي رعشة لم أستوعبها حينها.

فقد كنتُ تائهاً بين الأرقام وسواد عينيها وملامحها التي أوحَت أن كل تركيزها مُنصَبَّاً على الفهم.

أخذْتُ كل الوقت لشرح محاضرة واحدة ، ثم طلبتُ منها لقاءات أخرى متتالية كي أنهي كل الشرح قبل أن نتوَغَّل في الدروس أكثر ،

وبدورها وافقت بكل ممنونيّة ، لكني كنتُ أشعر بأني أنا المُمْتَنُّ لها.

ما إن التَقينا مرة أخرى حتى تأكَّدتُ من أنَّ مشاعري قد تحرَّكَت ، بعد أن كنتُ اعتقدْتُ أنها قد دُفِنَتْ وأن الفتاة التي ستكون نصيبي ،

ليست موجودة في الحياة ، وربما قد فارقَتْها في يومٍ ما.

إقرأ أيضا: حكاية العجوز عائشة

شعرتُ بسعادة لا مثيل لها بعد أن طلبت رقم هاتفي كي تسألني إن استعصى أمر ما عليها ،

وبعد تتالي اللقاءات استطَعْتُ وبفضل استيعابها أن أجعلها تصل إلينا بفهم المحاضرات ،

وشعرتُ بالحزن كون لقاءاتنا قد انتهت ، وبدَأتُ أفكر بأعذار كي ألتقيها مرة أخرى ،

لكن تفكيري لم يطل ففي صباح اليوم التالي ، صُدِمْتُ عندما أتَتْني رسالة منها ، تطلب لقائي خارجَ الدوام ،

لاحتساء كوبٍ من الشاي ، كونها لن تأتي إلى الجامعة لأمرٍ خاص.

وصلتُ في الوقت المحدد ، فإذا بها جالسة بانتظاري ، جلستُ متلهفاً لأسمع ما ستقول ، وبعد أن طلبت الشاي لكلينا قالت لي :

أودُّ أن أطلب منك معروفا.
تفضلي.
أريدُ منك أن تخطبني.

اختفى صوتي فجأة وشُلَّ لساني للحظات ، واعتقدتُ أنَّ هذا مقلب والكاميرا الخفية في مكان ما ، فضحكتُ ثم قلتُ :

بكل سرور ، متى تريدين الزفاف؟!

اغرَوْرَقَت عيناها بالدموع وفجأة أجهَشَت بالبكاء ، وبدأت بالحديث :

لقد كنتُ أحبُ شاباً فقيراً يعمل بتصليح السيارات في الورشة التي كنتُ أرتادها لتصليح سيارتي ،

وعندما تقدَّمَ لخطبتي رفض أبي رفضاً قاطعاً ، ثم أنهى أعماله في مدينتنا وانتقلنا إلى هنا تمهيداً للسفر خارج البلاد كلها بعد أن أُنهي هذه السنة ،

أو أن نبقى هنا بحال تقدَّمَ شاب لخطبتي يوازيني بالتعليم وبالوضع المادي.

وبعد أن سألتُ عنكَ كل بنات الدفعة ، عرفت أنك شاب خلوق لم تُحِبَّ فتاةً إطلاقاً ، ووضع عائلتك المادي ميسور ،

غير أنك ستتخرَّجُ هذه السنة وتُدَرِّس في الجامعة كمُعيد ، فتأكَّدتُ أنك الشاب الذي سيوافق عليه أبي ، وينهي فكرة السفر خارجاً.

صمتْتُ للحظات وشعرتُ كأني بطل من أبطال رواية خيالية ، لجَأَت البطلة إليه لإنقاذها ، لكن فجأة داهم لساني سؤال :

إقرأ أيضا: قسمتي ونصيبي الجزء الثاني

وبعد الخطوبة ماذا سيحدث ؟! ، هل تريدين الزفاف لاحقاً ، أم أن أفسخَ الخطوبة بعد مدة؟!

ابتسمت والدموع تملأ عينيها : كما تريد ، لكن الخطوبة هي الحل الوحيد كي لا نخرج من البلاد ،

أنا أعشق بلدي وإن خرجْتُ منها سأختنق لا محالة ، وربما أقتل نفسي.

هدّئي من روعك ، ليس لهذه الدرجة ، وماذا بخصوص الشاب الذي تُحبيه؟! أقصد هل لا تزالين تحبيه أم لا؟

تنَفَّسَتْ الصعداء ثم قالت : أبي عاقبني بأغلى شيء على قلبي وهو أن نترك بلدنا إلى الأبد ،
مما جعلني أنسى حبيبي وكل شيء يخصه.

إذاً لماذا لم تهربي معه ؟

لستُ من هذا النوع من الفتيات ، ولا تنسى أنَّ وضعه المادي لا يساوي حتى ربع وضعنا ، فكيف سأحتمل هذه الحياة؟

فقد كنتُ أطمحُ أن يُساعده أبي بأن يفتح ورشة خاصة به مع عمال تحت إمرَتِه.

ساد الصمت بيننا لدقائق ، وموجة من الأفكار تجتاحني ، ثم قلتّ في قرارة نفسي : لو أنها تحبه لكانت تخلَّتْ عن كل شيء ورحلت معه ،

وبما أنني المنقذ الوحيد لها فحتماً ستحبني لاحقاً ، وبذلك أكون قد جعلتُ الفتاة التي ارتعش قلبي بحضورها من نصيبي ،

وأحقق حلمي المستقبلي ، فأنا على يقين أني سأعيشُ معها حباً أبديا.

فقلتُ لها : موافق ، لكن أمهليني بعض الوقت لأفتح الموضوع مع والداي.

مسحَتْ دموعها وارتسمت ابتسامة خجولة على وجهها : أشكركَ من صميم قلبي ، ولن أنسى معروفك معي إطلاقا.

عدْتُ إلى المنزل وأنا أسترجع تلك الملامح الطفولية البريئة ، والسعادة تغمر كياني ،

بأنَّ القدر قد أحضرها إليَّ من مدينة أخرى بعدَ مشكلة اعترضَتْ حياتها ، ولم تجد سوايَ لحلّها.

كانت الأمور تسير بمخيٌلتي بكل سعادة ، إلى أن فاتَحْتُ والدايَ واشتعلت لهيب المشاكل بيننا لأول مرة في حياتنا.

يتبع ..

Exit mobile version