قصة الأستاذ خالد الجزء الأول
قصة الأستاذ خالد الجزء الأول
في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا وقف الأستاذ خالد على الرصيف في انتظار الحافلة لنقله إلى ثانوية التي يعمل فيها كأستاذ لمادة الرياضيات في إحدى الدوائر القريبة من المدينة.
كان ينظر إلى الساعة باستمرار ، ثم يتلفت إلى الطريق التي ستأتي منها الحافلة وقد أحس أنه قد تأخر على غير عادته ،
فهو يريد أن يصل باكرا دون أن يتلقى أي ملاحظات من مدير الثانوية التي لا يكف عن تدقيق في كل كبيرة وصغيرة.
فقد إنتقل إلى العمل في هذه الثانوية منذ العام الماضي بعدما كان دائم التنقل بين الثانويات ،
دون أن يفهم سبب ما يجري معه حتى علاقاته العاطفية كانت تفشل في أقل مدة ممكنة.
فقد دخل في خمس علاقات وفشلت ولم تدم أكثر من شهر ،
والشيء الذي حيره أنه كان ينسحب من تلك العلاقات بدون سبب معين ،
فتبدأ العلاقات بشكل طبيعي ويبدأ في التعمق فيها من أجل فهم الطرف الأخر ،
وحين يفكر في التقدم إليها بشكل رسمي تأتي إليه رغبة الإنسحاب والتراجع من دون أي أسباب.
وصلت الحافلة أخيرا ، وركب في المقعد الخلفي وهو يحتضن محفظته الجلدية كأنه يخشى أن تختطف منه ،
وكان أكثر شيء يكرهه في حافلات النقل أن يفتح الحديث مع الشخص الجالس إلى جانبه ،
فقد تعود أن يبقى صامت طوال الطريق.
وصل إلى باب الثانوية متوجها مباشرة إلى قاعة الأستاذة حتى يأخذ بعض دفاتره ،
فوجد سميرة فتاة التنظيف منهمكة كعادتها في ترتيب الغرفة.
كانت سميرة فتاة مجتهدة ومخلصة في عملها ، تأتي أول واحدة للمدرسة كل صباح ،
وكانت مهمتها تنظيف قاعة الأساتذة والرواق الذي بجانبه ، إضافة الى قاعة المشرفين التربويين.
ملامحها توحي بأنها أكبر من سنها ، مع أنها لم تتجاوز سن الثلاثين.
إقرأ أيضا: تقول كانت أقرب صديقاتي
نظراتها الجريئة أكثر ما يثير الإنتباه فيها ، وما أن أبصرته قادم حتى توقفت عن العمل ،
فخاطبته قائلة : صباح الخير أستاذ خالد هذه أول مرة تأتي فيها مبكرا.
لم يهتم خالد لهذه الملاحظة ودخل مسرعا إلى خزانته وقال :
صباح النور هل رأيتي أين وضعت دفاتري البارحة ، تركتها هنا في دولاب الخزانة ولم أجدها.
أخرجت سميرة مجموعة من دفاتر كانت موضوعة في درج أحد المكاتب وقالت :
هل تقصد الدفاتر ذات الغلاف الأزرق ، وجدتها البارحة ملقاة عند باب الخزانة فيبدو أنها سقطت منها.
أخذ خالد الدفاتر منها وخرج مسرعا متجها إلى قسمه ، وفي الساعة الثانية عشر بعدما أكمل حصصه الدراسية ،
خرج متوجها إلى منزله فصادفه في الطريق إلى الباب زميله الأستاذ عباس فسلم عليه قائلا :
كيف أحوالك أستاذ خالد ، أراك قد أنهيت عملك مبكرا إلى أين تود أن تذهب ، هل عندك مشوار مهم؟
فخاطبه خالد قائلا : في الحقيقة لا يوجد عندي شيء مهم ، فقط أنوي الذهاب إلى البيت بدون أي سبب.
أتعلم بدات أحس بالضجر من الجلوس مع الناس وأفضل الوحدة ،
حتى رفقاء المقهى الذين كنت أذهب إليهم ، قاطعتهم ولم أعد أذهب إلى هناك.
ضحك أستاذ عباس وقال : هذه من علامات العشق والإنجذاب ،
فأول خطواته أن تنطوي على نفسك مع شريك حياتك وتنعزل عن العالم الخارجي.
فقال خالد في جفاء غير مبالي : عن أي عشق تتحدث يا رجل أنا كرهت هذه القصص ،
ولم يعد لي أي حظ فيها ، لدرجة أنني أحسست النحس يواكبني ولا نصيب لي فيه.
رتب أستاذ عباس على كتف خالد وقال : لا عليك يا صديقي فكل شيء قدر ونصيب ،
على العموم ما رأيك أن تأتي معي في مشوار مهم حتى تتسلى قليلا وتخرج من جو الكآبة والخيبة التي تحبس نفسك فيها.
فسأله خالد قائلا : إلى أين؟
إقرأ أيضا: يتبول في ثيابها
أجاب الى المقبرة ، أريد أن أزور قبر أختي التي توفيت قبل عام فهذا اليوم يصادف الذكرى السنوية لوفاتها.
لم يرغب خالد في الذهاب مع صديقه أستاذ عباس ، لكنه أصر عليه أن يأتي معه ،
فالمقبرة قريبة من المدرسة ولن يتأخروا في العودة.
ركب معه في سيارته وانطلق متوجها إلى المقبرة ، وعندما نزلوا إلى هناك لمح مجموعة من الأشخاص وهم يرتدوا سترة صفراء ،
وتنقب بين المقابر فسأل صديقه عباس عن من يكون هؤلاء؟
فأجابه قائلا : هذه جمعية تابعة لأحد المساجد في الدائرة وهي تقوم بحملة التنقيب عن السحر والشعوذة أعوذ بالله ،
فالسحر منتشر كثيرا هنا وهذه الجمعية تتطوع كل شهر للقيام بهذه الحملة.
توجه خالد مع صديقه عباس إلى قبر أخت عباس وقرأوا عليها الفاتحة وبعض الآيات من القرآن،
ثم توجهوا خارجين من المقبرة.
فأبصر خالد أعضاء الجمعية مجتمعين حول صحن كبير من الماء وحوله رجل يبدوا أنه أمام المسجد ،
وكان يفتح الأوراق والأقفال وصرر القماش التي وجدوها ويضعها في صحن الذي كان به ماء مرقي لإبطال عمل السحر.
أثاره فضوله ، فأشار على صديقه عباس بالذهاب اليهم وإلقاء نظرة على ما يفعلون.
وعندما لمحهم إمام المسجد يقفون أمامه طلب منهم المساعدة في فتح الأوراق المسحورة وتقديمها إليه لرقيتها.
وبينما كان خالد يفتح إحدى قطع قماش قديمة وجد بداخلها قفل حديدي وصورة ملتفة بداخله ،
وحينما أخرج الصورة ونظر إليها ، إذ به يشاهد شيء جعله يصاب بالفزع من منظره ، إنها صورته مقفولة بقفل نحاسي أصفر.
إندهش الأستاذ خالد لما شاهد صورته التي كانت مقفولة بقفل نحاسي أصفر بين الأشياء التي عثر عليها في المقبرة ،
وتلبد وجهه وأحس أن جسده كله يترعد من رؤية هذا المنظر ،
إقرأ أيضا: قصة واقعية ادرجت في كتاب تطوير الذات
فقد ظل ممسكاً بصورته وهو يحاول أن يقرا الحروف والاشكال الغريبة التي كتبت بماء الزعفران على حافة الصورة.
لاحظ عباس إضطرابه وتغير ملامحه وعلامات الخوف ، فاقترب منه وسأله قائلا : ما بك يا أستاذ خالد؟
أرى وجهك شاحب وعابث وأنت ممسك بهذه الصورة هل وجدت فيها شيء يرعب؟
أدار خالد الصورة باتجاه أستاذ عباس وقال بصوت مبحوح ومتهدج : صورتي من بين الأشياء التي كانت مدفونة في المقبرة.
فتح عباس فمه من الدهشة وراح ينظر إليها غير مصدق ، فأمسك الصورة عن خالد وقربها إليه وراح يتأملها في ذهول وقال :
فعلا هذا أنت يا أستاذ خالد من الذي جاء بصورتك إلى هذه المقبرة؟
لم يستطيع خالد أن يجيب عن سؤال صديقه عباس ، راح يتبادل معه نظرات الإستغراب دون أن يفهم سبب تواجد صورته في هذا المكان.
فأخذ عباس صورة صديقه خالد وتوجه بها الى إمام المسجد الذي يرأس جمعية التنقيب وقال له :
حضرة الإمام وجدنا صورة صديقي هذا بين الأشياء التي كانت مدفونة في المقبرة ، فما هو تفسير ذلك؟
أمسك الإمام الصورة وراح يتأملها ثم اتجه بنظره إلى وجه الأستاذ خالد الذي تجمد في مكانه من الذهول ولم يعد قادر على الوقوف.
ثم نطق لإمام قائلا : لا حول ولا قوة إلا بالله ولا يفلح الساحر حيث أتى حسبي الله ونعم الوكيل.
ثم نادى على الأستاذ خالد أن يتقدم إليه ويقترب منه.
فنهض خالد من مكانه وهو يمشي بصعوبة وكأن أقدامه تجمدت ، ووقف أمامه وهو مقفهر الوجه فخاطبه الإمام قائلا :
أت يا إبني وضعوا لك سحر التفريق والهجرة.
والشخص الذي وضع لك هذا السحر يريدك أن تتخلى عن كل الأشياء التي من حولك وتهجرها ،
سواء كانت الزوجة أو الوالدين أو العائلة ، فيبدوا أن الله سبحانه وتعالى قد كتب لك الشفاء من هذا العمل الخبيث.
إقرأ أيضا: قصة عن صدق اللجوء إلى الله
فالساحر قد ربط سحر الصورة ، وهذا من أخطر أنواع السحر فقد يدفع بشخص المسحور إلى الموت أو الجنون ،
فنحن بعون الله سنبطله ، ولكن يجب تبحث عن الشخص الذي وضع لك هذا السحر وما هو غرضه من كل هذا؟
فسأله الأستاذ عباس قائلا : وهل بعدما يفك سحر الصورة هل سيعاني من الأثر المترتب عليه في ما بعد.
أجاب إن شاء الله لا ، ولكن يجب أن يشرب الماء المرقي الذي سنقدمه له إضافة إلى بعض نصائح أخرى.
إلتفت عباس نحو صديقه خالد وقال : هل عرفت يا خالد من الشخص الذي دخل إلى منزلك وأخذ الصورة هذه من هناك؟
فأجابه خالد بقوله : هذه الصورة لم تكن في المنزل بل هي مأخذوة من صفحتي على مواقع التواصل ،
وقد نشرتها قبل أربع سنين في حسابي ولا تزال موجودة في ملف الصور.
فنطق الامام قائلا : هذا يعني يا إبني أن الشخص الذي وضع لك سحر التفريق هو واحد من أصدقائك ،
ويعرفك جيدا ويعرف إسمك الكامل واسم والديك ، ويجب أن تحذف صورك ،
أو على الأقل تضع لها علامات الحماية ضد النسخ أو نقل.
فسأله خالد قائلا : هل يوجد هنا ساحر أو مشعوذ معروف في هذه الدائرة.
فأجابه الإمام في حسرة قائلا : للأسف موجود ولم نستطيع أن نتوصل إليه ،
فهذا المشعوذ الذي ينشط هنا خبيث جدا فهو يتعامل مع زبائنه عبر تطبيقات التواصل ، دون أن يكون عنده مكان محدد للقاء الزبائن.
فكثير من المشعوذين قد أنشؤوا صفحات لهم في الإنترنت يتواصلون بها مع زبائنهم ،
فإذا بحثت عن حسابتهم فستجد أسماء مستعارة كثيرة وكلها باسم شيخ روحاني ، أو شيخ جلب الحبيب ،
أًو شيخ العالم السفلي ، أما في العالم الواقعي تجدهم أشخاص طبيعيين جدا حتى لا يلفتوا الإنتباه.
ويصعب تحديدهم ، لذلك نحن عاجزين عن الوصول إليه فذلك الدجال يعتبر نفسه تاجر السعادة ،
لأولئك المساكين الذين يحلمون بالوهن معه.
إقرأ أيضا: قصة الأستاذ خالد الجزء الثاني
فهو يدعي أنه يجلب الرزق ويجلب الحبيب ويزوج العوانس والمطلقات ، ويشفي المرضى ، وكل هذا ما هو إلا دجل وإفتراء.
خرج أستاذ خالد وصديقه عباس من المقبرة وهم مذهولين لما شاهدوه وسمعوه اليوم ،
فلم يكن يصدق خالد ما يجري من حوله ولعل ذلك هو السبب الأساسي في عدم دوام علاقاته العاطفية وفشلها ،
فهناك شخص ما يترصده ويحاول أن يبعد كل من حوله ويجعله يعيش في عزلة عن الجميع.
أنا لا أتحدث عن الأستاذ خالد وإنما هناك الكثير من الناس التي كانت ضحية سحر أكثر من خالد.
يتبع ..