قصة العقد والثعبان
أراد رجل طاعن في السن وهو على فراش الموت أن يعلم إبنه الحكمة وكيف يصنع المعروف خالصا لوجه الله تعالى ،
فطلب من إبنه ألا يصنع معروفا مع أحد أبدا من الناس.
وبعد موت الرجل وبينما كان إبنه في رحلة صيد ممتطيا جواده وبجانبه سلاحه ، رأى نسرا مجروحا لا يتمكن من الطيران ،
أشفق الرجل على النسر فحمله من أجل مداواته في بيته ، وأصر على أن يطلقه بعد علاجه.
وفي اليوم الثاني وأثناء رحلة صيد له أيضاً داخل الغابة رأى رجلا فاقدا للوعي مكبلا في جذع شجرة ؛
فأشفق عليه ومسح وجهه بالماء وفك قيده ، وبمجرد أن عاد إليه وعيه ، حمله الرجل معه إلى بيته ،
وجهز له مكانا خاصا واهتم به اهتماما كبيرا ، وقدم له كل ما يحتاجه من دواء وكساء وطعام وشراب وراحة.
وفي اليوم الثالث خرج أيضا للصيد فرأى ثعبانا مريضا ، فأشفق عليه وحمله إلى بيته لعلاجه.
بعد أن تماثل النسر للشفاء رفض أن يبتعد عن البيت ،
وفي يوم من الأيام دخل النسر وحط بجوار زوجة الرجل وفي منقاره عقدا جميلا من اللؤلؤ والماس والياقوت.
فرحت المرأة بالعقد فرحا كبيرا ، وهي التي طالما عانت من مرارة الفقر ،
وكان الرجل المريض الذي كان في حالة إغماء في الغابة ينظر ويرقب ما حدث باهتمام كبير.
وبعد أن تماثل الرجل للشفاء غادر المكان بسلام وأمان.
وفي الطريق سمع هذا الرجل مناديا يقول : إن زوجة الملك قد فقدت عقدا لها ،
ومن يخبرنا عن مكانه فله مائة ليرة ذهبية.
سمع الرجل النداء وقال في نفسه : مائة ليرة من الذهب! وأنا رجل فقير لا أملك من حطام الدنيا شيئا!
فذهب إلى قصر الملك فأخبره بأن العقد الذي تبحث عنه زوجته موجود في بيت رجل صياد ،
( وهو الصياد الذي اعتنى به وصنع معه معروفا وآواه وعالجه وأكرمه ).
إقرأ أيضا: الصياد وبناته الثلاثة قصة قصيرة
ذهب رجال شرطة الملك إلى بيت ذلك الصياد الطيب واعتقلوه ،
واتهموه بالسرقة وأعادوا العقد إلى زوجة الملك ، ثم حكموا عليه بقطع رأسه.
عرف الثعبان الذي عالجه الصياد الطيب في بيته بالقصة كاملة ،
فأراد أن يقدم لصاحبه خدمة لا ينساها العمر كله مقابل ما خدمه وأحسن إليه عندما كان مريضا في الغابة.
ذهب الثعبان إلى قصر الملك ، ووصل حجرة بنت الملك والتف حولها ،
وعندما رأت زوجة الملك هذا المشهد المرعب خافت على بنتها فأخذت تصرخ ، وأسرعت لتخبر الملك ورجال القصر ،
ولكن لم يتمكن أحد من الإقتراب خشية على حياة بنت الملك.
احتار الجميع في الأمر ، وكان كل واحد منهم يفكر ويبحث عن مخرج لهذه المصيبة التي حلت بالمملكة.
قال الوزير للملك : أليس عندنا في السجن رجلا متهماً بالسرقة ومحكوماً عليه بقطع الرأس؟ قَال الملك : بلا.
قال الوزير نحضره إلى هنا فإما أن يموت من لدغ الثعبان وإما أن ينجي بنت الملك من الثعبان ،
لأنه في كل الأحوال محكوم عليه بالإعدام.
أحضر الجنود الصياد ، ووقف بين يدي الملك ، فطلب منه الملك أن يدخل الغرفة لينجي بنته من الثعبان.
قال الصياد الطيب ، أرأيت يا ملك الزمان إن فعلت ذلك ، فبماذا تكافئني وماذا سيكون جزائي؟
قال الملك : بالعفو وأمنحك العقد هدية لك.
دخل الرجل غرفة بنت الملك ، وعندما رآه الثعبان أقبل إليه بهدوء وتسلق إلى كتفيه ،
فحمل الرجل الثعبان وسار به إلى بيته والعقد في جيبه آمنا مطمئنا وقال :
لقد حفظ الثعبان المعروف ، وحفظ النسر المعروف ، أما الإنسان فلم يحفظ المعروف.
العبرة :
إصنع المعروف لله ولا تنتظر المعروف من الذي تصنع معروفك إليه ولا تتوقع جزاء الآخرين إليك بمعروفك ،
لأن معروفك لا يضيع عند الله ، فإن الله الذي ينظر ويسمع ويعلم هو الذي خلق الإنسان ،
وأن عمل المعروف مع الإنسان هو من أجل الله رب العالمين وليس من أجل مخلوق.
اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله ، فإن لم تجد أهله فأنت أهله ، فلا تنسى أن تصنع المعروف لله وحده.