قصص منوعة

قصة تحمل في طياتها عبرة الجزء الأول

قصة تحمل في طياتها عبرة الجزء الأول

يحكى أنه كان هناك فقيران ، ضحكت الحياة لهما عندما وجدا عملا بمحض الصدفة ، في قصر أحد الأغنياء ،

فقد خصص غني وزوجته غرفة بجانب القصر ، مجهزة بكافة وسائل العيش ، ومصممة بفخامة قصرهما ،

بشرط أن يعيش بها رجل وامرأته كي يضمنا بقاءهما جانبهما عند احتياجهما بأي لحظة.

كان عمل الزوجة داخل القصر ، يشمل التنظيف والطبخ ، وعمل الزوج خارجه ،

يشمل تأمين احتياجات القصر وحراسته ورعاية الأزهار والأشجار.

مضت بضع سنين استطاع بها الفقيران كسب ثقة الغنيّان ، غير أنّهما كانا يقولان للغنيان كلما صاح الديك ،

أنهما مدينان لهما لاحتوائهما ومعاملتهما معاملة حسنة وكأنهما قد تكَفَّلا بهما ،

مما جعل الغنيّان يزدادان عطفاً وكرماً عليهما ، وأصبحا يناديهما بالوفيّان.

مع ولادة طفلتهما ، وعدهما الغني أنه سيتكفّل بكافة مصاريف دراستها ، وأن تتربّى كأنها ابنته مع ابنه الذي يكبرها بضع سنين ،

ومضت ستة عشر عاماً عاشا بها برضا وسعادة ، وكانا دائِما الشكر على تلك الحياة التي نادراً ما تُمنحُ لأحد.

جاء اليوم الذي كان مفصليّاً بحياتهم ، فقد توفيّت زوجة الغني وعانى من فراغ كبير ،

كونه قد عاش مُحبّاً ووفيّاً ومُخلِصاً طيلة حياته لها ، فاعتكف في غرفته لا يرى أحداً لأسابيع ،

فتَكَفَّل ابنه بتسيير أعماله ، إلى أنْ تتحسّن نفسيته ويستطيع العودة إلى العمل.

لكن حالته النفسية قد ازدادت سوءاً ، مما جعل الفقيران يُقرّرَان أن يتوسّلا إليه كي يتزوج ابنتهما لعلها تُخْرِجَهُ من تلك الحالة المأساوية ،

ولعلَّهما يَرُدَّانِ له جزءاً من معروفه.

إقرأ أيضا: قصة العيش والملح

كانَ عُذرهما أمام الغني مُعاكساً لنيّتهما ، فقد كانت نيتهما أن يجعلا ابنتهما سيدة القصر ،

ويعيشا برفقتها أسياداً بقية حياتهما ، فقد كانا يخشَيان دوماً أن يموت صاحبا القصر ، فيرميهم الإبن خارجاً ،

كونه كان يعاملهم بازدراء وكأنهم عبيد ، وكان دائم القول لوالديه :

إنَّهم مُجرَّد خدم ، لمَ تلك المعاملة الحسنة؟!

1 3 4 10 1 3 4 10

فكان زواج ابنتهما ، الناجي الوحيد لهما ، والضمان لبقية حياتهما.

وقبل أن يَهُمَّ الفقير بالحديث مع الغني قال لزوجته :

لأنَّ ابنتنا قاصر ، لن نسألها رأيها ، كونها لا تعرف مصلحتها ، ونحن أدرى منها ،

وبذلك نستطيع أن نؤمن مستقبلها ونُجَنّبها حياة تشبه حياتنا ، ونضرب عصفورين بحجر واحد ،

فحتى وإن أكمَلَت دراستها لن تتزوج إلا من يُجارينا ماديا.

صَعَدَ الفقير لغرفة الغني ، حاملاً معه كأس الماء ودواء الصداع كالمعتاد ، طرق الباب ثم دخل والأمل يشع من عينيه ،

وبعد أن شرب الدواء قال له : سيدي ، أنا وزوجتي قد فُطِر فؤادنا لوفاة سيدة القصر أيضاً ،

لكن حالك لم يتحسن مع مرور الوقت ، وأنا وزوجتي يعتصر الألم قلبنا لرؤيتك بهذا الحال ،

فلم نستطع أن نبقى مكتوفي الأيدي ، و لم نجد حلاً لمساعدتك على خروجك من حزنك سوى أن نتوسّل إليك أن تتزوج ابنتنا ،

لعلها تساعدك حتى على التخفيف من مُصابك.

كادت جفونه أن تتمزّق مما سمع ، فنظر له والدهشة تعلو وجهه :

ويحك ، إنني أعتبرها ابنتي ، كيف أتزوجها؟

رد بتَلَعثُم : سيدي ، نحن نعرف أنك لم تنظر لها قط إلا من نظرة الأبوّة ، لكنها شرعاً وقانوناً تجوز لك ،

فيمكنك أن تتزوجها وتُنجِبَ منك أيضا ، نحن نرجوك يا سيدي ، نريد أن نرى ابتسامتك مرة أخرى ،

إنسى أنها قد كانت كابنتك كل تلك السنوات ، وانظر لها على أنها زوجتك ، وأنا وأمها ننتظر على أمل قبولك.

إقرأ أيضا: زوجة سعودية تحكي قصة زوجها

خرج من غرفته بدون أن يسمع رده ، خشية أن يزداد رفضا ، وبلحظة نَسِيَ الغني حزنه ،

وأعاد ما سمع في رأسه وكأنه قد أطربه سماع ذلك.

مضت بضع ساعات ، أوقف الغني أفكاره ومشاعره عن كل شيء سوى التفكير بقول الفقير ، لحين قال لنفسه فجأة :

ولِمَ لا؟! أنا رجل حتى لو أُقارِب عمر أبيها ، لكن لياقتي وأناقتي توحيان أني أصغره بكثير ،

غير أني سأُجَدد شبابي عندما أرى ذلك الوجه البريء جانبي كل صباح وكل مساء ،

وأتمتع بحلالي وأنا مرتاح البال ، وبنفس الوقت ستحبني أكثر بعد أن ترى ذلك الإهتمام الخاص مني.

وبلحظة داهم ابنه أفكاره ، كونه كان ولا يزال دائم الكره لهم ، ولا يَكُفُّ عن معاملتهم بسوء ،

فلم يجد أمامه إلا أن يُخبِرَ ابنه بقراره وأن يرى ردَّة فعله ،

فإن كان عدائياً سيحاول إرضاءه بأن يكتب له على حياة عينه نصف أملاكه والنصف الآخر لزوجته المستقبلية.

عاد ابنه إلى المنزل ، وما إن أخبره حتى تعالت أصواته ، وبدأ بالشتائم على الفقيران وابنتهما ،

والأب يسمع بصمت ، وعندما انتهى من شتمهم قال لأبيه : أنا لست موافق ، ولن تتزوجها.

فرد الأب : لا تقلق ، لن أحرمك من الميراث ، سأكتب نصفه لك ونصفه لها ، قبل وفاتي.

لم يكن من الإبن بعد سماع تلك الكلمات ، سوى أن يكسر كل الزجاج الذي أمامه ، ثم قال :

الميراث كله من حقي ، ولا حق لتلك الخادمة به.

فقال له الأب بكل هدوء : أنا أُخبِرُكَ بقراري ولا آخذ إذنك.

صُعِقَ الإبن مما سمع ، وصمت كمن سكب أحد عليه دلو ماء بارد ، ثم قال في قرارة نفسه : افعل ما يحلو لك ، سأنتقم منك شرَّ انتقام.

إقرأ أيضا: قصة تحمل في طياتها عبرة الجزء الثاني

نزل الغني إلى الفقير ، وأعلمه بقبوله الزواج من ابنته ، فتماسك ألا يقفز على الأرض فرحاً ، ثم قال له :

حدد فقط موعد الزفاف يا سيدي.

الزفاف سيكون في الخميس القادم ، خذ هذه النقود كي تشتروا لها ، كل ما يلزمها كعروس ،

وأعطِ النقود لزوجتك فهي أدرى منك بذلك.

ابتسم الغني ابتسامة خجولة كمراهق شاب ، ثم عاد إلى غرفته ،

فَحَلَّقَ الآخر كي يُخبر زوجته الخبر السعيد ، ويُعطيها رزمة النقود التي تُعادل راتبهما لبضعة أشهر.

دخل الغرفة ، واستَغَلَّ غياب ابنته ثم أعطاها النقود قائلا :

لقد وافق على الزواج من ابنتنا ، خذي هذه النقود كي تُجَهّزيها ، وركزي على الملابس التي سترتديها لزوجها فقط ،

فقد لمّح صهرنا المستقبلي بذلك.

الأن لقد ضَحِكَت الحياة لنا بالفعل ، وضَحِكَت لابنتنا معنا ، نحن من أوفر الناس حظاً في هذا العالم.

فقالت له والسعادة تغمرها : لم يتَبَقّى سوى أنْ نُخبِرَها عند عودتها ، ودع هذا الأمر عليَّ ،

فأنا سأشرح لها بطريقة تجعلها تتمنى أن يأتي يوم الخميس بلمح البصر.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?