قصة حدثت في جمهورية السودان لأحد المعلمين بمنطقة ريفي المناقل (منطقة في السودان )
كان يُدَرِّس في مدرسة للبنات في الصف الثالث ابتدائي ،
وفي كل يوم كان يرى خارج الفصل جنب الشباك بنت مسكينة وجميلة تكسوها البراءة وتبيع الخبز لأمها في الصباح ،
وقد بلغت سن المدرسة لكنها لم تدخلها بسبب الوضع المادي لأسرتها ،
فلديها أربعة أخوة صغار ، ووالدهم متوفي وهي تسهم مع أمها في مصاريف معيشتهم ببيع الخبز عند المدرسة ،
فساعدت إخوتها بأن يدخلوا المدرسة ويكملوا تعليمهم.
كان الأستاذ يشرح للطالبات درسا في الرياضيات وبائعة الخبز تتابعه من شباك الفصل وهي بالخارج ،
ثم سأل الأستاذ في أحد الأيام الطالبات سؤالاً صعبا وخصص له جائزة ، ولم تجيبه أي طالبة ،
وتفاجأ ببائعة الخبز تؤشر باصبعها من خارج الشباك وتصرخ :
أستاذ أستاذ ، فأذن لها المدرس بالإجابة ، وأجابت وكانت إجابتها صحيحة!
منذ ذلك اليوم راهن عليها الأستاذ ، فتكفل برعايتها وبكل ما يلزمها من مصروفات مدرسية على نفقته ومن مرتبه ،
واتفق مع مدير المدرسة على أن يتم تسجيلها كطالبة بالمدرسة وتشارك بالإختبارات.
وكانت المفاجأة عندما ظهرت نتائج الإختبارات ، فقد كانت هي الأولى على المدرسة ،
وسارت على هذا النهج برعاية الأستاذ وإشرافه اليومي عليها إلى أن أوصلها إلى الصف الأول بالمرحلة الثانوية.
وهنا فارق الأستاذ السودان للعمل بالخارج ، ولم يكن هناك تلفونات في ذلك الوقت لكي يواصل متابعة أخبارها ،
وقد كبر أحد إخوتها وعمل بعربة كارو لبيع الماء وبقي يصرف عليها ، وانقطعت صلتها بالأستاذ لمدة اثني عشر عاما.
إقرأ أيضا: الصبي الذي صار إماما
وبعد غياب إثنا عشر عاما عاد الأستاذ إلى السودان ، وكان لديه زميل بالدولة التي كان يعمل فيها ،
وزميله هذا لديه إبن بجامعة الخرطوم كلية الطب ، وطلب زميله منه أن يرافقه للجامعة ،
وأثناء دخوله الجامعة مع صديقه مكث بعض الوقت في الكافتريا ،
فإذا بفتاة على قدر من الجمال تحدق فيه بشوق وقد تغيرت معالم وجهها عندما رأته ،
وهو لم يعلم لماذا تحدق فيه بهذا التأثر؟
فسأل ابن صاحبه إن كان يعرف هذه الفتاة وأشار إليها خفية ،
فأجابه : نعم بالطبع إنها أستاذة دكتورة تُدَرِّس طلاب كلية الطب دفعة السنة السادسة والأخيرة.
ثم سأل الطالب الأستاذ : هو أنت بتعرفها يا عمو؟
قال : لا ولكن نظراتها لي غريبة.
وفجأة وبدون مقدمات جرت الفتاة نحوي وهي تبكي بحرقة بصوت لفت أنظار كل من كان بالكافتيريا ،
وظن الجميع أنه والدها ،
وقالت له : ألا تذكرني يا أستاذي؟
أنا البنت اللي كانت حطام إنسانة وحضرتك صنعت منها إنسانه ناجحة ،
أنا البنت اللي حضرتك كنت السبب في دخولها المدرسة وصرفت عليها من حر مالك حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ،
وذلك بفضل الله ثم رعايتك وإهتمامك وموقفك الإنساني الفريد ، أنا إبنتك فلانة ( بائعة الخبز ).
فألقى الأستاذ كلمة قال فيها : لأول مرة أحس أني معلم وإنسان.