قصة حذاء الطنبوري
لا يصلح لك ما انتهى زمنه
يروى أنه كان لأبي القاسم الطنبوري حذاء قديم ، كلما انقطع منه موضع قام بترقيعه بجلد أو قماش ،
حتى امتلأ بالرقع واشتهر أمره بين الناس.
عابه بعض أصحابه ، وأصرّوا عليه أن يتخلص من حذائه ، فقام برمي الحذاء في القمامة وعاد إلى بيته.
وفي الطريق مر بالسوق ، فوجد زجاجات رائعة الجمال للبيع ، فأعجبته ولكنه ليس في حاجة لها كما أنها غالية الثمن ،
فتركها وسار في طريقه ، فوجد مسكا رائعا للبيع فأعجبه وقرر أن يشتريه ، ولكنه قال :
لا يصلح هذا المسك إلا في تلك الزجاجات ، فعاد إلى الأول واشترى منه الزجاجات ، وعاد إلى الثاني واشترى منه المسك.
ذهب إلى البيت ووضع المسك في الزجاجات ، ووضعها على رف في البيت وخرج لبعض شأنه.
كان هناك رجل قد مرّ بجانب النّفايات ، فرأى حذاء الطنبوري ملقىً في القمامة ، ولم يتصوّر أنّ الطنبوري البخيل يرمي حذاءه ،
فقال : لعلّ بعض الأشقياء هو الذي فعل هذا ، وسوف أردّه إلى صاحبه.
فأخذ الحذاء وذهب به إلى بيت الرّجل ، فقرع الباب فلم يردّ أحد عليه ، فرأى النّافذة مفتوحة فقذف بالحذاء فأصاب الرّف ،
وتهشمت الزّجاجات على الأرض ، وانسكب كلّ المسك ، ولم يبق منه شيء.
عاد الطنبوري فرأى ما حدث ، فقال : لعنك الله من حذاء.
أخذه وذهب به إلى النهر وألقاه هناك ، وكان هناك صياد قد ألقى شباكه في النهر فعلقت بها حذاء الطنبوري ،
وعندما وجد الحذاء قال : لابد أن أصنع إليه معروفاً وأعيد إليه حذاءه.
وفعلا ذهب إلى الطنبوري ووضعه على سطح بيته ليجفّ ، لكن علقت به رائحة السّمك ، فمرّ قط ،
ولشدّة جوعه أخذه بفمه وهرب وأخذ يقفز فوق أسطح المنازل ،
فسقط منه الحذاء على إمرأة حامل فأجهضت ، فأخذ زوجها الحذاء وذهب إلى القاضي شاكياً من فعلة الطنبوري بامرأته ،
إقرأ أيضا: قصة الجارة العظيمة
فحكم عليه القاضي بمائة دينار دية الجنين وعاتبه على أذاه لجيرانه ، وأعاد إليه الحذاء.
فقال : لعنك الله من حذاء ، ثم إنه قال : سوف ألقيه هذه المرّة في مكان لا يصل إليه أحد.
فأخذه ورماه في حفرة المجاري ، وعاد إلى منزله ، وكله فرح وسرور.
مرّ يوم أو يومان ، فاضت المجاري بالطريق ، وآذت الناس ، فأتوا بعمال لتنظيف المجرى المسدود ، فوجدوا حذاء الطنبوري ،
فرفعوا أمره إلى القاضي ، فحبسه وجلده على فعلته ، وأعاد إليه الحذاء.
فقال : لعنك الله ، سأريك ما أفعل بك.
في الغد ذهب إلى الحمّام ، ورمى الحذاء أمام الباب ، وعاد إلى بيته.
صادف ذلك وجود أحد الأمراء في الحمام ، وجاء سارق وأخذ حذاء الأمير ، وعندما خرج لم يجد شيئا ،
قالوا : ننتظر ، وصاحب آخر حذاء هو السارق ، ونبحث عنه.
فلم يبق إلا حذاء الطنبوري وبالطبع يعرفه كل أهل بغداد.
رفع الأمير ما حدث إلى القاضي ، فغرّم الطنبوري قيمة الحذاء المسروق ، وجُلد وأُعيد إليه حذاؤه ،
فقال : لعنك الله من حذاء.
فكر قليلا ثم قال : سوف أخرج بعيدا عن بغداد ، وأدفنه في الصحراء ،
حفر قليلا ثم رماه وغطاه بالرّمل وعاد إلى بيته.
مرّ مسافر بذك المكان فخرج عليه قطاع الطرق وسلبوه ماله ، فتلفت الرجل حوله محاولا أن يجد أثرهم على الرّمال ، ليتبعهم ،
لكن هبت ريح قوية فسخت كل الأثر ، وأخرجت فردة حذاء.
حملها للقاضي ، الذي عرفها.
جاء الطنبوري ، فأقسم أنه لم يسرق أحدا ، وأقام الشهود ، أنه لم يخرج من بغداد منذ زمن ،
فأطلق القاضي سراحه ولكن بعد لومه على إهماله ،
فقال للقاضي : يا سيدي اكتب صكاً بيني وبين هذا الحذاء أني بريءٌ منه فقد أفقرني ،
وضربت كما يضرب الطبل ليلة العيد من أجله.
صار حذاء أبي القاسم الطنبوري مضرب المثل لما يعسر التخلص منه أو لما هو مشؤوم ، فيقال مثل حذاء الطنبوري.ةح