قصص منوعة

قصتي بدأت قبل 14 سنة عندما كنت في سن 23

قصتي بدأت قبل 14 سنة عندما كنت في سن 23 بدون طموح ولا أي شيء ، كأي شاب مغربي صدق منذ صغره أن النجاح في الحياة هو إعالة أسرة والحصول على عمل جيد.

حصلت على بكالوريا علمية بميزة مقبول ولم أرتد الجامعة بل درست في التكوين المهني سنتين كتقني في الرسم المعماري.

إشتغلت عند مهندس معماري مدة سنتين بأجرة لا تتعدى 2000 درهم شهريا ،

وكنت أفكر في الزواج وبناء أسرة وكنت قد بدأت فعلا البحث عن زوجة تقبل بالسكن ،

( السجن كما أسميه) مع أسرتي الصغيرة ( أختان وأخ والأبوان).

وذات يوم أصابني ضرر في أسناني فكنت مجبرا على الذهاب لطبيب أسنان ،

أخذت الإذن من صاحب العمل ودخلت العيادة التي كانت مليئة عن آخرها ،

إنتظرت قرابة 3 ساعات لأدخل ويلقي نظرة على فمي ليعرف السبب.

ثم طلبت مني الفتاة التي تعمل معه مبلغ 100 درهم آنذاك ،

صدمني ذاك المبلغ خاصة أنه لم يستغرق في فحصي ولو 5 دقائق على الأكثر.

صدمت أكثر عندما دفعت 300 درهم أخرى مقابل ملئه للسن خاصتي وهي أرخص أنواع المواد التي يمكن ملئ الأسنان بها.

وزادت صدمتي عندما أخبرني أنه هنالك أسنانا أخرى تحتاج للإصلاح ، و

في آخر مرة كنت مجبرا على الإنتظار ساعات طوال في سلم العمارة

( لأن العيادة كانت مليئة بالكامل بأفواج المنتظرين لأنه أرخص طبيب في المدينة ).

ما دفعني للتفكير في حياتي من جديد ، فسألت نفسي : هل من المفروض علي أن أبقى دائما هكذا ؟

أعمل كثيرا لأجني قليلا وأدفع الكثير لمن يعمل القليل ؟

ما الفرق بيني وبين ذاك الطبيب ؟

إقرأ أيضا: يحكى أن أسدا وجد قطيعا مكونا من ثلاثة ثيران

نحن كلنا بشر ولنا عقول وأيادي وأرجل ، أسئلة تلو أخرى دفعتني للذهاب مباشرة صوب مقهى الإنترنت

( الذي كان شائعا آنذاك قبل عهد الهواتف الذكية)

لأبحث عن المسار الدراسي لطبيب أسنان.

1 3 4 10 1 3 4 10

إكتشفت أن تلك الأفكار التي كنت أحملها واهية ، وأنه مسار بسيط جدا يلزمه الصبر والكد والكفاح في البدايات فقط.

فقلت في قرارة نفسي : أنا أكد وأعمل جاهدا ، لكني ربما على الطريق الخطأ.

من تلك اللحظة بدأ التغيير في حياتي ، قررت أن أترشح لبكالوريا حرة وأحصل عليها بميزة جيدة ،

وقد سألت الكثير ممن أعرف وممن لا أعرفهم عن طرق أخرى فوجدت أن هنالك إمكانية للدراسة في الخارج ، لكن لا بد من المال.

فعملت جاهدا لكي أصل لهدفي ، تخيلوا أنني أعمل كل ليلة في بيع ساندويش الأسماك المقلية التي أصنعها ،

وأستيقظ صباحا كي أحصل على صناديق السمك باكرا عند أصحاب الشاحنات الذين يبيعونها بالجملة وبثمن مناسب.

ثم أذهب لعملي وأتفرغ يوم السبت والأحد نهارا لدروس البكالوريا.

كانت أختاي تعدان السمك بطحنه وخلط التوابل معه قبل عودتي من العمل لآخذه للشارع.

عملت كذلك في بيع فاكهة ( الهندية ) التي لن يعرفها سوى المغاربة ، وبعت العطور وعلف الماشية في عيد الأضحى.

إستغرق مني الأمر سنتين بين تعب جسدي ونفسي أحيانا ،

إلا أنني كلما تعبت أتخيل نفسي طبيب أسنان يقود سيارته الفاخرة ويشتري ما يريده دون الدخول في حسابات ضيقة.

إقرأ أيضا: يحكى أن ملكا أعرج ولا يرى إلا بعين واحدة

لن يصدق الكثيرون أنني كنت أنام وأحلم بتلك اللحظة ، سنتان لم أنعم فيهما بلحظات راحة إلا في الأعياد ،

سنتان أدرس وأعمل ليلا ونهارا وأجمع النقود ، والحمد لله أن العمل الليلي مكنني من توفير المال أكثر من العمل النهاري.

سنتان يا سادة قررت بعد ذلك خوض الكالوريا لأحصل عليها بميزة حسن.

ثم هاجرت لأوروبا ودرست هنالك طب الأسنان ، بل وعملت هنالك كذلك فكنت أوفر المال أكثر مما أنفقه.

بعد ذلك عدت للمغرب وأنا جدا فخور بنفسي ، أحببت نفسي جيدا وعشقت المعاناة التي عشتها ،

واليوم يخيفني التفكير حتى في لو كنت بقيت على ما أنا عليه ، لأنني ولغاية كتابة هذه الأسطر ، أملك منزلا خاصا بي وسيارة.

وقد عرفت أن طبيب الأسنان عانى الأمرين قبل أن يصل لما وصل إليه ، لذلك فهو يعوض حرمانه ويتحمل مسؤولية عمله ،

لذا فالمال الذي تدفعه له هو جمع بين العلاج والمسؤولية ثم العلم الذي لا يملكه الجميع.

أنا اليوم طبيب وأفتخر كلما سمعت أحدهم يناديني بكلمة ” دكتور ” ، أنا جدا فخور بنفسي وإنجازاتي.

ورسالتي لكم هي لا تفقدوا الأمل ، بل إجتهدوا كثيرا وناضلوا من أجل أهدافكم ،

لا تفقدوا ولو ذرة أمل فهنالك الكثير من الأبواب لم تطرق بعد ،

وعلموا أبنائكم أنه لا شيء مستحيل على هذا الكوكب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?