قصتي مع الرجل الإيطالي
أراد الله أن أتقابل معه في أحد المناطق السياحية في جدة عندما كانت زوجته تحاضر في قاعة مغلقة للنساء ،
وأراد أن يكلمني ويحكيني قصته فقد كان حريصا على إبلاغي بها.
وباختصار شديد قال لي أريد أن أخبرك قصتي وكان يتكلم العربية المكسرة مع الإنجليزية المختلطة بالإيطالية.
وبما أنني أفهم وأتحدث الإنجليزية بطلاقة مع بعض الإيطالية بفضل الله ، لم أواجه أي مشكلة في استيعاب ما يقول.
عندما بدأ قصته شعرت بقشعريرة سرت في جسدي حيث قال لي قصة أعتقد بأنني سأكون مخطئا إن لم أبلغها للناس ،
وقد وصاني بإبلاغها فاستمعوا لما يقول.
يقول كنت شابا أجوب شوارع ميلانو (بلد إيطالية صناعية شهيرة) ألبس الحلق في أذني اليسرى وأفعل المحرمات بأشكالها وألوانها ،
وأشرب الخمر ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي بدل حياتي رأسا على عقب.
يتابع حديثه قائلا عملت في مصنع للملابس وكان اسمي مركبا بالإيطالية يظن السامع به أنني من أصل بوسني.
وفي ذات مره ناداني رئيسي في العمل وهو مخمور كعادته إلا أنه في هذه المرة أخذ يسب ويشتم المسلمين وينظر إلي ،
يعتقد أنني مسلم ، وهو لا يدرك بسبب سكرته أنني مثله لا صلة لي بالبوسنيين ولا بالإسلام ،
ولكن كنت أسمع وأقرأ عنهم للثقافة العامة فقط.
ثم قال لي ( أنتم يأيها المسلمون كنتم في يوم من الأيام أسياد هذا العالم أما اليوم فأنتم عبيد لنا وتعملون عند أقدامنا )
لا أدري ما الذي حصل لي وأنا أستمع إلى ذلك الحاقد علي وهو ثمل نجس يفرغ شحناته المريضة ،
لقد شعرت وكأن الدم يفور في عروقي فقد كان طبعي عصبي ولم أدري بماذا أجيب وقتها.
إقرأ أيضا: الأصدقاء الثلاثة
لقد فاجأني فأحببت أن أستفزه بقولي ولم أدري إلا ولسان حالي يقول له لا شعوريا : (هل تعرف محمدا).
قال ماذا تريد تكلم بسرعة.
قلت عندما كان المسلمون متمسكون بكتاب الله ويطبقون أحكامه كانوا يسودون العالم ،
ولكن بعد أن تركوه ولم يطبقوا ما فيه من تعاليم ساد الفساد والإنحراف ، والأن أنا سأخرج من مكتبك تعرف لماذا؟
نظر إلي مندهشا غاضبا وهو يقول لماذا؟
قلت سأذهب لأشتري قرآنا مترجما للغة الإيطالية حتى أقرأه وأطبق ما فيه وأرجع إليك فأدوسك تحت قدمي).
خرجت من مكتبه وقد ألجمت المفاجأة لسانه ، وطبعا طردني من العمل.
ذهبت إلى غرفة سكني المشتركة مع زملاء لي ودخلت الحمام غسلت وجهي وأنا أبكي بكاءً حارقا مؤلما ،
فقد كنت أعاني من قلة المال والحيلة وفقر شديد.
خرجت من الحمام ثم سجدت منهارا على الأرض وأنا أبكي حتى ظن من معي في الغرفة بأنني قد أصبت بالجنون ،
ولم أكن أعلم حينها أن تلك كانت بداية هدايتي في رحلتي المثيرة مع الإسلام.
يتابع قوله : بعد أن سجدت باكيا سرت في جسدي قشعريرة وراحة لم أشعر بها في حياتي ،
وخرجت من ذلك البيت متوجها إلى المركز الثقافي الإسلامي بمدينة ميلانو.
حيث استقبلت بحفاوة وحب وأشهرت إسلامي فورا لعلي أجد حلا لمشكلتي وفقري.
ثم خرجت أنا ورجلين من المركز الإسلامي وتوجهنا إلى أحد الحدائق العامة نتبادل أطراف الحديث عن الإسلام.
كان الجو غائما باردا شديد البرودة وبينما نحن في الحديقة نمشي إذ دخل وقت صلاة الظهر ،
فذهبنا إلى أحد ينابيع المياه داخل تجويف في أحد الأشجار وقام أحدهم بتعليمي الوضوء ،
وكان الماء باردا جدا إلا أنني كنت مستمتعا بالبرودة.
إقرأ أيضا: كيف تتصرفين بهذه الطريقة أمام الناس؟
وكان تحت الشجرة ذاتها اثنان من العشاق مسترخيان تحت ذات الشجرة ،
ولما رأوا طريقة اغتسالي بالماء وغسل قدمي في ذلك الجو البارد توقفا عما كانا يفعلانه وأذكر علامات الذهول على وجههما.
ثم سألني الرجل بتطفل خجول ماذا تفعل إن الجو بارد.
فقلت هكذا يجب أن نتطهر لنتعبد ونقابل خالق الكون ونصلي له ،
ثم أذن صاحبي المرافق لي أذان الظهر وأقمنا الصلاة في داخل الحديقة وسط ذهول الموجودين ،
ووالله ما إن انتهينا من الصلاة حتى كان عددنا عشرون رجلا ،
حيث تصادف وجود مجموعة من المسلمين العرب في الحديقة نفسها ،
ولكن المفاجأة!
أنه ما إن انتهينا من الصلاة حتى وقف ضابط إيطالي يبدو أن عمره في الخمسينات كان واقفا يراقبنا بكامل زيه العسكري ،
ثم تقدم واقترب من الإمام الذي صلى بنا بعد انتهائنا من الصلاة وكنت أستمع جالسا للمحادثة.
فسأل الضابط بتعجب ماذا تفعلون؟
فأجاب صديقي الإمام نصلي لله تعالى.
قال الضابط وما هذا الدين؟
قال الإمام : الإسلام.
فقال بتعجب بالغ : الإسلام! ولكن الإسلام دين سفك دماء وإرهاب وقتل.
رد الإمام بكل هدوء وثبات ، ليس كذلك بل الإسلام دين محبة ودين سلام ، ثم استأذناه قائمين لننصرف.
فقال الضابط بصوت كأنه ينادينا فيه وكيف يمكن لشخص أن يكون مسلما؟
قال الإمام ببساطة : يذهب إلى المركز الإسلامي يعلن إسلامه.
قال الضابط : أريد أن أدخل في هذا الدين.
فقال الإمام لماذا؟ ظنه يستهزئ فأحب أن يختبره.
إقرأ أيضا: قصة المحتال والحمار!
فقال الضابط : (نحن نعلم الطلاب الملتحقين بالجيش ست سنوات كيف ينضبطون في صف واحد ويتحركون سويا بإتقان ،
وأنتم خلال خمس ثوان اصطف عشرون رجلا لا تعرفون بعضكم وتتبعتم إمامكم بكل دقة وانضباط ،
أشهد أن الذي علمكم هذا ليس بشرا بل لابد أن يكون رب هذا الكون المستحق للعبادة.
اقشعر جسدي وأنا أستمع من الرجل الإيطالي قصته فقلت له : أكمل فقال :
ذلك الضابط الآن اسمه “عبد الرحمن” أسلم وحسن إسلامه وإذا أردت أن أخبرك عن مكانه الأن أقول لك هو في مترو الأنفاق.
لقد تقاعد من الجيش واستلم مستحقاته ومن بينها بطاقة مجانية للمواصلات ،
يدخل المترو المكتظ بالناس من الصباح إلى المساء وقد أطلق لحيته البيضاء واستدار وجهه كأنه البدر ،
ثم يقول للجالسين بالقطار وباللغة العربية التي حفظ منها كلمته المعتادة قائلا :
“أشهد أن الله حق وأن محمدا حق وأن الجنة حق وَأن النار حق وأن يوم القيامة حق”
ثم يسرد المواعظ باللغة الإيطالية فيخرج معه عند الوصول إلى محطة النزول عشرة إلى خمسة عشرة شخصا يشهرون إسلامهم فيما بعد ،
وهذا حاله منذ أن أعلن إسلامه يوميا.
يتابع الإيطالي مسرداً لي القصص العجيبة التي رآها وسمعها بنفسه ، فيقول :
وفي أحد الأيام وبينما أنا في المركز الإسلامي في إيطاليا إذ تقابلت مع رجل شاب إيطالي أعطاه الله من جمال الشكل والوسامة الشيء الكثير ،
ملتحي يتلألأ وجهه نورا اسمه أحمد ، فسألته عن أحواله ومن أي المدن هو ، فأخذ يسرد لي قصته ويقول عن نفسه :
كنت أعيش في مدينة ميلانو عمري لم يتجاوز الثالثة والعشرون ، أعيش في الظلام ، ورثت عن والدي المتوفى مبالغ كبيرة جدا ،
إقرأ أيضا: ومن الحب ما قتل الملك الذي مات من أجل حب جاريته
وقصور ومصانع وسيارات فارهة حتى كنا نعد من العائلات ذات الثراء الفاحش في إيطاليا ،
لم يكن يعيش في القصر معي سوى أمي وأختي.
كنت لا أترك يوما من عمري بدون عشيقة وخمر ومخدرات منذ اللحظة التي أستيقظ فيها وحتى أنام ،
فأدمنت المخدرات بكل أصنافها وأنواعها.
كنت إذا رجعت القصر على هذه الحالة وأجد أمي أمامي أقوم بضربها ضربا شديدا وأدخل إلى غرفتي وأنام ،
وكان هذا حالي معها كل يوم تقريبا حتى إنها أصبحت تختبئ مني حتى أفيق.
كنت إذا خرجت من باب قصري بسيارتي الفارهة أجد عند باب قصري أكثر من أحد عشرة فتاة ،
من أجمل الجميلات ينتظرنني ليركبن معي وأتسلى بمن يقع عليها الإختيار في ذلك اليوم ، ثم أبدلها بأخرى في اليوم التالي.
ومع ذلك لم أشعر بالسعادة يوما حتى إنني كنت أشعر بضيق شديد يعتصر صدري ،
كنت عابس الوجه غليظا شديد العصبية.
خرجت في أحد الأيام إلى أحد المقاهي في فترة الظهيرة ولم أرغب اصطحاب أي من الفتيات معي ،
واشتريت جريدة وطلبت كوبا من القهوة وجلست أقرأ في المقهى على طريق المشاة.
فإذا أنا برجل يقف بهدوء خلف كتفي وأنا لا ألتفت إليه يسألني مبلغ مئة ليرة إيطالية ، ويقول :
أريدها دينا أرجعه لك بعد شهر.
والمائة ليرة إيطالية لا تساوي شيئا يذكر تقريبا عشرة ريالات سعودي أو أقل.
يقول فأخرجتها من جيبي ورفعت يدي إلى الخلف دون النظر إليه وطلبت منه الإنصراف لأنني لا أحب المتسولين فلم أكن أطيق النظر إليهم.
واستمريت على حالي هذا وبعد شهر تقريبا كنت في ذات المقهى أحتسي قهوتي كعادتي ،
وإذا بذلك الرجل يعود إلي ويضع يده على كتفي مرة أخرى ، فالتفت إليه ،
إقرأ أيضا: قصة نرجس الجزء الأول
وكان كبيرا ذو لحية بيضاء وجرى بيني وبينه الحوار التالي :
أحمد : ماذا تريد؟
الرجل : قد استلفت منك مبلغا من المال مئة ليرة قبل شهر ألا تذكر وهذا هو المبلغ أرجعه إليك في الموعد (وأخرج لي مئة ليرة )
أحمد : (بغضب شديد) هل أنت مجنون ، أيها الغبي ، أنت تعلم أن من يأخذ هذا المبلغ الزهيد لا يرجعه ولو كان دينا.
الرجل : (بكل هدوء وثبات) ولكن ديني أمرني إذا أخذت أو استلفت شيئا أن أرجعه مهما كان صغيرا.
أحمد غاضبا : وما دينك هذا؟
الرجل : الإسلام.
أحمد : الإسلام! ولكن الإسلام دين قتل وإراقة دماء وإرهاب وتخلف.
الرجل : بل الإسلام منهج حياة وسعادة لمن أحسن تطبيقه بطريقه صحيحة.
يقول أحمد : سمعت كلمة سعادة من ذلك الرجل الذي شابت لحيته ورق ثوبه وعلى وجهه ابتسامه ،
تمنيتها ملكي وقلت في نفسي لا بأس ،
سأدفع مالي كله من أجل لحظة أشعر بما يشعر به هذا المسكين من سعادة ورضا ،
ورأيت في يده ورقة مطوية فسألته ما هذا الذي في يدك.
قَال بعض الكلمات عن الإسلام ، فأخذتها من يده وقلت هل تسمح لي بقراءتها.
قال الرجل : بل هي لك ، ثم ذهب ولم يلتفت إلي ، فناديته ثم قلت له : هل تسكن قريبا من هنا؟
قال : نعم.
قلت هذه المطوية صغيرة جدا أريد أكثر لأقرأ.
قال الرجل سأحضر لك كل يوم في هذا المكان مطوية جديدة عن الإسلام وأنت تشرب قهوتك.
إقرأ أيضا: هناك متسع من الوقت سيأتي غيرهم
وأخذ أحمد يحرص على ارتياد ذلك المقهى ليقرأ المطوية.
كان ذلك الرجل حريصا على الحضور للمقهى بالمطوية وفي الوقت المحدد.
بعد أن قرأت عشر مطويات تقريبا شرح الله صدري للإسلام وأتيت للمركز الإسلامي وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
وغيرت اسمي إلى أحمد وبدأت أتعلم الدين الإسلامي وتطبيق منهجه.
بدأت أمي تلاحظ التغير الذي حصل لي ولكني أصبحت عندما أدخل القصر أذهب إلى غرفتي مباشرة دون أن أضربها ،
بل العكس أصبحت اقبلها إذا رأيتها ، فاستوقفتني مرة وهي خائفة حذرة وقالت لي ما الذي جرى لك يا بني؟
وهي ترى آثار لحيتي بدأت تظهر على وجهي ، قلت ما بك يا أمي لماذا أنت خائفة.
قالت : كنت يا بني إذا دخلت إلى البيت تضربني والأن أنت تقبلني على يدي ورأسي ولك أيام على ذلك فهل حصل لك شيء.
قال أحمد : نعم لقد دخلت في دين الإسلام.
قالت : وهل أمرك هذا الدين بتقبيلي.
قال أحمد : نعم وأمرني بالإحسان إليك.
قالت أمي مباشرة : أريد أن أدخل في هذا الدين وأسلمت أمي واستبدلت الصليب المعلق على حائط غرفتي بلفظ الجلالة ،
واشترت مصحفا مترجما للغة الإيطالية ووضعته في غرفتي.
وفي أحد الأيام وبينما أنا أهم بالدخول إلى غرفتي إذا بي أتفاجأ بأختي ،
قد دخلت وجلست وبين يديها المصحف المترجم تقرأه في ذهول عجيب وتركتها ولم أشعرها برؤيتي لها حتى أسلمت بنفسها دون أن أتكلم بكلمة.
إقرأ أيضا: حكاية مرجانة
ومن العجائب التي حدثت لي أنه بمجرد أن أعلنت إسلامي واغتسلت وبدأت بتطبيق شعائر الإسلام ،
ذهب عني إدماني للمخدرات فورا بدون مستوصفات أو مستشفيات أو عيادات نفسية ،
فعلمت أن الإسلام يغسل ما قبله ويمسح كل ما فات فزاد يقيني وتمسكي بالله.
ثم يقول أحمد غاضبا وبنبرة صوت جادة : لقد أضعت من عمري سنين في الملذات والشهوات والكفر بالله وأعداء الدين ينصبون المكائد بأهل الإسلام ،
ويحاربون دين الله ويثيرون الفتن ويفترون على الله الكذب وإني أشهد الله الذي لا إله إلا هو وبما علمت من الحق ،
لأسلطن أموالي كلها وما بقي لي من حياة لنشر هذا الدين في إيطاليا ولو كره الكافرون ،
وكان هذا آخر كلامه معي قبل أن نفترق فسبحان من أبدل قلبه في لحظة صدق.
تابع الرجل الإيطالي حديثه لي بعد أن سرد لي القصص السابقة ثم أخذ يكمل قصة حياته بعد هدايته ،
حيث تزوج من فتاة شابة إيطالية من أصل بوسني ولم يكن صعبا عليه إقناعها بالالتزام ،
فقد كانت مهيئة وتعرف بعضا من اللغة العربية ، ودأب هو وهي على خدمة الدين.
حيث قاموا بإنشاء مركزا جديدا لتعليم الإسلام للصغار في إيطاليا عبر ما يسمى دور رعاية الأطفال المسلمين ،
وكان الإقبال عليهم عظيما حتى من الجاليات غير المسلمة ثم أنجبا ثلاثة أبناء وابنتين كلهم حفظوا كتاب الله تعالى.
ثم قطع حديثه وقال أتريد أن أسمعك بعضا مما يحفظون فقلت تفضل ونادى أبنائه ثم أوقفهم لي كأنهم في طابور الصباح ،
يتلون القرآن واحد بعد الآخر وهم يجيدون تقليد الشيخ الحذيفي.
وكان أصغرهم يبلغ من العمر ست سنوات يتلوا القرآن صحيحا مجودا حتى إنني استعجبت من ذلك ،
ولكن لا عجب من نور الله إذا استفاض في قلوب من كتبت لهم الهداية.