قصص طريفة لحاتم الطائي
يحكى أن أعرابيا عرج على دار حاتم الطائي بعد عناء سفر طويل ملتمسا الراحة والطعام والشراب لما سمعه عنه من كرم ومروءة ،
فلما إلتقاه حاتم سأله بجفاء عن حاجته ، فأجابه الأعرابي : والله إني متعب من السفر ،
وشديد الجوع والعطش ، فقصدتك لما سمعت عن كرمك بين العرب.
فقال له حاتم متعمدا الجفاء : وهل داري مفتوحة لكل من يقصدني كي يرتاح ويأكل ويشرب؟
فارتبك الأعرابي واحمر وجهه خجلا وأسرع إلى جواده فامتطاه مطلقا له العنان دون أن ينطق بكلمة فلما ابتعد ،
تلثم حاتم وامتطى جواده ولحق به ، فلما إلتقاه حياه وقال له : من أين قادم يا أخا العرب؟
فأجابه الأعرابي : من عند حاتم الطائي. فسأله حاتم : وما كانت حاجتك عنده؟
فأجاب : كنت جائعا فأطعمني ، وعطشانا فسقاني ،
وعندما كشف حاتم عن وجهه وهو يضحك ، سأل الأعرابي: لماذا كذبت علي؟
فأجابه الأعرابي: والله لو قلت غير ذلك لما صدقني أحد من العرب ، ولقالوا عني مجنونا.
فابتسم حاتم وعاد إلى داره مصطحبا معه الأعرابي ، فنحر له وأطعمه وأكرمه.
سأل رجل حاتم الطائي ، وهو مضرب أمثال العرب في الكرم ، فقال : يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟
قال : نعم غلام يتيم من طي نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس من الغنم ، فعمد إلى رأس منها فذبحه ،
وأصلح من لحمه ، وقدم إلي وكان فيما قدم إلي الدماغ فتناولت منه فاستطبته.
فقلت : طيب والله ، فخرج من بين يدي وجعل يذبح رأسا رأسا ويقدم لي الدماغ وأنا لا أعلم ،
فلما خرجت لأرحل نظرت حول بيته دماً عظيماً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره.
فقلت له : لم فعلت ذلك؟
فقال : يا سبحان الله تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به ، إن ذلك لسبة على العرب قبيحة!
إقرأ أيضا: دجاجة القاضي
قيل يا حاتم : فما الذي عوضته؟
قال : ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم.
فقيل: إذا أنت أكرم منه
فقال : بل هو أكرم ، لأنه جاد بكل ما يملك وإنما جدت بقليل من كثير.
قيل ان أحد قياصرة الروم بلغته أخبار جود حاتم فاستغربها فبلغه أن لحاتم فرسا من كرام الخيل عزيزة عنده ،
فأرسل إليه بعض حجابه يطلبون الفرس ، فلما دخل الحاجب دار حاتم إستقبله أحسن إستقبال ورحب به ،
وهو لا يعلم أنه حاجب القيصر.
وكانت المواشي في المرعى فلم يجد إليها سبيلا لقرى ضيفه فنحر الفرس وأضرم النار ثم دخل إلى ضيفه يحادثه ،
فأعلمه أنه رسول القيصر قد حضر يستميحه الفرس فساء ذلك حاتم وقال :
هل أعلمتني قبل الآن فأنا فد نحرتها لك إذا لم أجد جزورا غيرها فعجب الرسول من سخائه وقال : والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا.
مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيئ فنزلوا قريبا منه فقام إليه بعضهم يقال له ، أبو الخيبري ،
فجعل يركض قبره برجله ويقول : يا أبا جعد أقرنا فقال له بعض أصحابه :
ما تخاطب من رمة وقد بليت ؟ واجنهم الليل فناموا فقام صاحب القول فزعا يقول :
يا قوم عليكم بمطيتي فإن حاتما أتاني في النوم وأنشدني شعرا وقد حفظته يقول :
أبا الخيـبري وأنت امـرؤ
ظلوم العشيرة شتامها
أتيت بصحبك تبغي القرى
لدى حفرة قد صدت هامها
أتبغى لي الذنب عند المبيت
وحولك طيئ وأنعامها
وأنا لنشبع أضيافنا
وتأتي المطى فنعتامها
وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيرا فنحروها وقاموا يشتوون وياكلون وقالوا :
والله لقد أضافنا حاتم حيا وميتا.
وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا فإذا رجل ينوه بهم راكبا جملا ويقود آخر فقال :
أيكم أبو الخيبري ؟ قال : أنا.
قال : إن حاتما أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه ودفعه إليه.