قوافل القادمين على الله كل يوم في ازدياد
ما إن تفتح هاتفك إلا وتتلقاك أخبار الموت والموتى!
شيب وشبان ، مرضى وأصحاء ، فالموت لا يفرق ، وملك الموت لا صديق له.
متى حضر الأجل لا تتأخر ملائكة الموت.
والموجع مع كثرة الجنائز شدة القسوة وتعاظم الغفلة ، وكأن خبر الموت خبر عابر!
وكأننا نقرأ عن رجل تعثر في ثوبه ، أو عن إمرأة أصابها دوار أو مغص!
الأشد من موت الأجساد موت المشاعر ، وهو أقسى الميتتين!
تقدم شاب من جنازة وعلى وجهه بعض علامات الإستخفاف بأمرها ، فقال لأبي الدرداء رضي الله عنه :
من الميت؟
قال له : أنت الميت!
ورحم الله من قال : ليس من مات فاستراح بميت ، إنما الميت ميت الأحياء.
نحتاج إلى الحفاظ على ما تبقى من حركة الضمير ونبض المشاعر ،
لأننا بغير هذه المعاني جمادات أو آلات في مساليخ بشر!
فلتكن هذه الجنازات سياط لسع لمشاعرنا المتخدلة ، وأحوالنا الأخروية المترهلة.
لنغلق هواتفنا حين يتتابع فيها خبر الموت ولنري الله منا لفظة إستغفار ، أو لحظة إستشعار ،
ولنصل على موتانا الكثر حتى وإن لم نعرفهم.
لنكتب وصايانا التي لا يصح أن ننام إلا وهي تحت رؤوسنا!
في الحديث الصحيح : قوله صل الله عليه وسلم : ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه.
لنضع أنفسنا مكان الراحلين فجأة فنرجع الحقوق ونستسمح المستحق!
لنصمت قليلا ، ونخرج قلوبنا من صخب الحياة ولو للحظة!
قال الحسن البصري لشاب في جنازة : أترى هذا الميت إن عاد إلى الدنيا يحسن عمله؟!
قال: نعم.
فقال الحسن : إذا لم يكن هو فكن أنت!
إقرأ أيضا: قال ابن عباس فاق رسولنا كافة الرسل باثنتي عشرة علامة
إن جنازات الضمائر والمشاعر اليومية أكثر عددا من جنازات الأجساد ،
وبعضنا أحيانا (هروبا من قساوة قلبه) يضحك على نفسه بمصمصة الشفاه عند رؤية جنازة.
بينما ضميره ومشاعره وقلبه في إجازة!
إخوتي ، مشاعرنا أروع ما فينا ، وقلوبنا الحية هي سر نظر الله إلينا ، فلا تتركوها حتى تصدأ ثم تهترئ ثم تموت ،
وثم لا يساوي أحدنا عند ربه لقمة خبز ، ولولا البهائم ما أنزل علينا غيثه ولا أنبت لنا زرعه.
ولو لم يكن الله يريد من تتابع الجنازات أن ترق القلوب ، وتكثر التوبات ما جعلها فرادى تتابع نعوش أصحابها إلى يوم القيامة.
عندما تصبح قوافل الآخرة عند الناس من العاديات ، ومشاعرهم أشبه ما تكون بالآلات ، فهذا بحق هو الممات.