قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم؟ قال : من قيس بن عاصم المِنقري ، وهو صحابي جليل رضي الله عنه ، رأيته قاعدا بفناء داره ،
محتبيا بحمائل سيفه ، يحدث قومه ، حتى أتي برجل مكتوف ورجل مقتول ، فقيل له :
هذا إبن أخيك قتل إبنك.
فوالله ما حل حبوته ، ولا قطع كلامه ، ثم إلتفت إلى إبن أخيه وقال له :
يا ابن أخي ، أثمت بربك ، ورميت نفسك بسهمك ، وقتلت إبن عمك.
ثم قال لإبن له آخر : قم يا بني فوارِ أخاك ، وحُل كتاف ابن عمك ، وسُق إلى أمه مائة ناقة دية إبنها فإنها غريبة.
ويروى أنّ الأحنف دخل ذات مرة على معاوية بن أبي سفيان غضبان ، وخاطبه قائلا يا معاوية ،
فألانَ له معاوية الحديث واسترضاه ، وبعد أن إنصرف قال بعض جلساؤه :
يا أمير ، مَن هذا الذي دخل عليك ، فأغلظ القول ، فألنتَ له الحديث واسترضيته؟
فقال معاوية : هذا الذي إذا غَضِب ، غَضبَ له مائةُ ألف سيفٍ مِن بني تميم ، لا يسألونَ فيمَ غَضِب.
وقيل عاشت بنو تميم بحلم الأحنف أربعين سنة ، وفيه قال الشاعر :
إذا الأبصار أبصرت ابن قيس
ظللن مهابة منه خشوعا.
قال إبن المبارك قيل للأحنف بم سودوك قال لو عاب الناس الماء لم أشربه.
وقال : ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور
إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان دوني رفعت قدري عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه ، وقال لست بحليم ولكني أتحالم.