كانت خطيبتي غريبة قليلا! تعشق مشاهدة أشرطة تشريح الجثت و نزع الأعضاء الحيوية ،
هي تدرس الطب و حلمها هو أن تصبح جراحة لتجري عمليات من هذا النوع
حتى أنها لا تخشى أفلام الرعب.
مضت على علاقتنا ثماني سنوات ، سبع منها أمضتها في دراسة الطب العام ،
تعبت كثيرا خلالها لتصل للحظة الحسم إنه يوم إمتحان إختيار التخصص ، رافقتها صباحا للمركز ،
لحظات قبل أن تدخل أمسكت يدي و قالت :
”تذكر هذا جيدا يوما ما ستكون عند الغرفة العمليات و سأخرج بمئزري الأبيض و أقول : حققت حلمي”
(وضعت يدي على كتفها) إذا أردت أن تكوني جراحة فاحصلي على معدل جيد ، واثق بأنك ستنجحين.
بعد ساعات يرن هاتفي ، إنها هي ، أجبت لتخبرني بكل حزن أن حلمها ضاع ، حزنت كثيرا لسماع ذلك ،
لكن سرعان ما انفجرت ضاحكة و أخبرتني أنها تمزح و أنها متأكدة أنها وفقت في كل الأجوبة،
سعدت كثيرا لكني غضبت حين أخبرتني أن البروفيسور المكلف بالحراسة كان يضايقها و لما صدته قال بأنها ستندم
و المخزي أنه بعمر والدها! طلبت منها اسمه لكي أحطم رأسه لكنها ترجتني كي لا أضخم الأمر
لأن الأهم هو تأكدها من نجاحها ثم قالت :
هل لازلت تتذكر؟ سأخرج من الغرفة
(أقاطعها) بمأزرك الأبيض و تقولين أنك حققتي حلمك
إنه يوم النتائج ، يرن هاتفي تبا لم أستيقظ باكرا ، أجيب لقد كانت تبكي و تقول أنها رسبت ، قلت مازحا.
-حيلتك هذه لن تنطلي علي مرة أخرى ،
لكنها استمرت في البكاء بهيستيريا و أقفلت الخط ، صعقت يبدو أنها لا تمزح ،
نهضت مباشرة و انطلقت لمنزلها و لم أجدها ، بعدها ركضت للحديقة حين كنا نلتقي لم أعثر عليها أيضا ،
إقرأ أيضا: كنت في الثلاثينات وبدأ الجميع يطرح الأسئلة
بحث في كل مكان و أنا خائف من أن تأذي نفسها ، تذكرت أن رقم صديقتها المقربة معي ،
اتصلت بها و أخبرتني أنها رأتها تتجه للجامعة و هي الآن تحاول أن تلحق بها ،
إنطلقت بسرعة للجامعة و أخيرا وجدتها ، لقد كانت تضرب أحد الكهول و تبكي و تقول أنها لن تسامحه!
في حين كان يصفها بالمجنونة! طار عقلي فلكمته و أسقطته أرضا ثم أمسكتها و ضممتها ، كانت منهارة تماما تبكي و تقول :
“هو السبب هو السبب لن أسامحه”
علمت بعدها أنه ذلك البروفيسور الحقير حاولت بشتى الطرق أن أهدئها و أنسيها مرارة ما تعيش ، لم أترك ولا كلمة تحفيزية لم أقلها
مرت الأيام و قد حبست نفسها في البيت ، صرت أزورها و أحاول إقناعها بالخروج لكن دون جدوى ،
دفنت نفسها و هي حية ، والديها و أهلها قلقوا عليها ، و اقترحوا علي أن آخدها لطبيب نفسي ،
كان صعب علي أن أفتح معها الموضوع لكني فعلت غضبت كثيرا مني و قالت :
” هل تظنني مجنونة أخرج لا أريد رأيتك”،
من يومها صارت ترفض استقبالي في غرفتها ،
حاولت بشتى الطرق أن أراها و أكلمها على الأقل هاتفيا و لم أنجح!
في صبيحة أحد الأيام إستيقظت على صوت رنين هاتفي ، إنها تتصل بي أخيرا ، أجبت بسرعة فقالت :
“عزيزي أنا في الحديقة أريد أن أراك الآن(تقفل) ” ،
أخيرا خرجت من المنزل سررت بذلك كثيرا ، غيرت ملابسي و طرت للحديقة ، وجدتها بكامل أناقتها ،
قلت لها بأني في قمة السعادة لأنها تجاوزت ذلك و أنها جميلة جدا ،
قالت قدر الله ما شاء فعل و أن الحياة لن تتوقف ، ثم طلبت مني معروفا ، قلت
“أكيد سألبي كل ما تطلبين”
إقرأ أيضا: وحدها امرأة .. يقال أن الحب أعمى!
“خذني للجامعة أريد أن أعتذر من الجميع عن تهوري و خصوصا ذلك البروفيسور لقد حملته ذنب فشلي”
وافقت بسرعة و ذهبنا للجامعة إعتذرنا من الجميع و قد أخبرونا أن البروفيسور مريض و أنه أخد إجازة ، طلبنا عنوانه و قررنا زيارته.
المسكين كان يعيش لوحده في شقة صغيرة ، إستقبلنا بسرور ، اعتذرنا منه على كل ما حصل ،
قبل إعتذارنا و تمنى لخطيبتي النجاح العام القادم ، ابتسمت و سألته عن مكان المطبخ ثم أضافت :
“يجب أن أحضر عصيرا لنحتفل بهذه المصالحة” ،
“أعتذر لم أقدم لكما شيئا سأعود”
منعته من النهوض و قلت له أنه مريض لا يجب أن يتحرك كثيرا ، فدلنا عن المطبخ ،
أحضرت خطيبتي العصير و تبادلنا أطراف الحديث بعدها شعرت بصداع رهيب
استيقظت و أنا في رواق الشقة لقد كانت خطيبتي عند باب الغرفة واقفة بمئزرها الأبيض الملطخ بالدماء تحمل بيدها أحشاءا و هي تبتسم لي و تقول :
“حققت حلمي”.