كان النبي صل الله عليه وسلم يربي أمته على الفضيلة والسخاء والتكافل فيما بينهم ،
والإسراع بالعمل الصالح مِن الصدقات والتطوع قبل أن يأتيهم الموت.
وفي هذا يروي أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رجلا جاء إلى النبي صل الله عليه وسلم فسأله :
أيُّ الصَّدَقةِ أَعْظَمُ أجْرًا وأكثَرُ نفعًا لصاحِبِها؟ فأخبَرَه صل اللهُ عليه وسلم أنَّه ما يَتصَدَّقُ بها الإنسانُ وهو صحيحٌ ليس فيه مرَضٌ ،
أو عِلَّةٌ تقْطَعُ أمَلَه في الحياة ، وهو وقتٌ يُصادِفُ مَن يكونُ مِن شأنِه الشُّحُّ ، وهو البُخلُ مع الحِرصِ ،
ويَخافُ مِن الوُقوعِ في الفقر ، ويَأْمُلُ الغِنَى ويَرجوه ويَطمَعُ فيه لنفسه ، وهذا في فَترةِ الحياةِ كلِّها ، وخاصَّةً وقْتَ الرَّغدِ والنَّعيمِ ،
فيَكونُ الإنسانُ أكثَرَ حِرصًا ، فإذا تصَدَّق مع كلِّ هذه المَوانعِ والمُغرياتِ الَّتي تَحُثُّه على حِفظِ المالِ فذلك أعظَمُ أجرًا.
ثمَّ حذَّره النبي صل اللهُ عليه وسلَّمَ مِن آفةٍ تُصيبُ كثيرًا مِن الناس ، وذلك بأنَّ يَنتظِرَ ويَتمهَّلَ ويؤخِّرَ التصَدُّقَ ،
حتَّى إذَا بَلَغَت رُوحُه الحُلْقُومَ ، وشعَرَ بقُربِ الموت ، وتأكَّدَ أنَّ المالَ لن ينفعه ، وأنَّه سيَترُكُه- أَوْصى لِفُلَانٍ بكذا ،
ولِفُلانٍ بكذا ، وأخبَرَ أنَّه قدْ كان لِفُلانٍ مِن الدُّيونِ أو الحُقوقِ ، وقد أصبَح المالُ مِلكًا للورَثةِ ، فهذا أقَلُّ أجرًا.
فبيَّنَ لنا النبيُّ صل الله عليه وسلم أنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ أن تَتصدَّقَ حالَ حياتِك وصحَّتِك ،
مع احتياجِك إلى المالِ واختصاصِك به ، لا في حالِ سقَمِك وسياقِ مَوتِك ؛ لأنَّ المالَ حينَئذٍ خرَج عنك وتعلَّقَ بغيرِك.
وفي الحديثِ : فضلُ صدَقةِ الشَّحيحِ الصَّحيحِ.
وفيه : التَّحذيرُ مِن التَّسويفِ بالإنفاقِ استِبعادًا لحُلولِ الأجَلِ ، واشتِغالًا بطولِ الأمَلِ.
وفيه : أنَّ المرضَ يَقصُرُ يدَ المالكِ عن بعضِ مِلكِه ، وأنَّ سَخاوتَه بالمالِ في مرَضِه لا تمحو عنه سِمَةَ البُخلِ.
فيه : أنَّ أعمالَ البِرِّ كلَّها إذا صَعُبَتْ كان أجرُها أعظَمَ.
وفيه : أنَّ الصَّدقةَ في وقتِ صِحَّةِ الإنسانِ وسلامتِه أفضلُ مِن الوصيَّة.
الراوي : أبو هريرة.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.