كان شابا له وجهة نظر بالزواج فقد كان يراه دوما كقفص
كان شابا له وجهة نظر بالزواج ، فقد كان يراه دوما كقفص إن دخله فلن يستطيع التحليق خارجه ،
لذلك فضَّلَ أن يحيا شبابه كطائر حر ، لا يقيده ذلك الرابط الذي كان واثقا أنه سَيُقطَعُ بيوم ما.
لم يكن أحد يُعَكّرُ صفوه إلا أمه ، فقد كانت تستغل أي فرصة كي تُلِحَّ عليه بالزواج ،
وتطلبُ دوما من صديقه الذي كان يُلازِمُ زيارتهم أكثرمن أقربائهم ، أن يساعدها بإقناعه فكان يرد عليها دوماً بنفس الجملة :
لا تقلقي يا أمي ، فلن أدع هذه السنة تنتهي قبل أن يكونَ خاطبا لفتاة ذات جمال ونسب.
وما إن ينفرد بالجلوس مع صديقه حتى يقول له :
أعانك الله على أمك التي ترغب أن تدفِنَكَ وأنت على قيد الحياة ،
أي زواج يا أخي وبإمكانك إمضاء الوقت وفِعْلَ ما تريد مع أي فتاة توقِعُها بحبك؟!
فكان يرد قائلا :
وأنا أقول لنفسي ذلك كلما تطلب مني أن أتزوج.
مضت سنوات ذهبا بها في نهاية كل أسبوع لأماكن السهر ، وزيارات الأصدقاء ، وحضور الحفلات ،
وانتهزا أيَّ موقفٍ للتَعَرُّفِ على فتاة وتكرار اللقاءات معها ،
ولكن عندما كانت تفتح أي فتاة موضوع الزواج كانا يختلقان عذرا تافها لإنهاء العلاقة بها ؛
لحينِ أُصيبَتْ أمه بأزمة قلبية وخضَعَتْ لعملية جراحية ، جَعَلَتْ الدم يجمدُ في عروقه خوفاً من فقدانها ،
وعاهدها بأنه سَيَتَزَوّج أي فتاة تختارها حينما تتعافى ، وما إن تعافَتْ حتى طلبَ منها أن تخطب له فتاة ذات خُلُق.
إنتعش قلبُ والدته لطلبه وشعرَتْ بنشاط يُعادل النشاط الذي كان عند شبابها ،
فلم تجعل يوماً واحداً يضيع منها وهي تبحث عن عروس لابنها ، وعندما وجدتها ،
وتأكّدَ بنفسه من سمعتها الحسنة ، تم القبول والزواج.
إقرأ أيضا: الحلم
لم تمضي بضعة أشهر إلتزم بها بعدم التعرف على فتيات ، حتى أتاه صديقه ذات يوم وقال له :
حتى وإن أصبحتَ متزوج ، فلن تتضرر إن تعرفت بفتاة وتسليت معها كما يحلو لك ، وزوجتك تصونك في المنزل.
فكّر بكلامه كثيراً ثم وافق عليه ، وقرَّرَ ألا يُشعِرَ زوجته بشيء فلن يحرمها من الكلام المعسول ،
ولا الهدايا ، وسَيُلبّي لها كل طلباتها.
مع تتالي سهراتِهِ أصبَحَتْ زوجتهُ تشعر بالضيق ، فيوم إجازته الوحيد الذي كان يجب أن يُمضيهِ معها ،
كان يمضيه مع صديقه خارجاً ، ومع أنّ كلمة حبيبتي وعبارات الغزل كان لا يتوقَّفُ عن قولها ،
لكنها كانت تشعرُ أنَّها كلماتٌ تُقالُ من رجل آلي ، تفتقرُ إلى الإحساس والشعور.
حينما بدأَتْ تشعرُ أنَّ كل ما يقوم به من باب الواجب ، وكل الكلام الذي يقوله محض كذب ، بدأَتْ تراهُ رجلاً منافقاً مخادعاً ،
وانتابها شكُّ أنَّ الذي يمتلك قدرة كبيرة على خداع أقرب الناس إليه ، ربما يُغطي بكلماته على خيانة أخرى ،
فأصبَحَتْ تَشُكُّ بكل ما يقول ويفعل ، ولم تستطع أن تدرَأَ الشَّكَ سوى بمراقبته ،
ولأنها لن تستطيع اللحاقَ به ليلاً لم تجد أمامها حلاً سوى أن تستعينَ بصديقه الذي يُلازمه بكل السهرات ،
وعندما أتى لزيارتهم كالمعتاد ، كي يُرافِقَ زوجها للسهر ، إستَغلَّت دخولَ زوجها الحمّام ثم هرولت لصديقه وقالت له :
أرجوك ساعدني ، فأنا أشعرُ أنّ زوجي يخونني وأريدكَ أن تكشفَ حقيقتهُ لي.
إندهش صديقه وقال لها : على الرحب والسعة فلن أسمح له بأن يُدمّر بيته ،
لأجل إمرأة لا تستحق فلن يجدَ أفضل منك زوجة له وأماً لأولاده.
ثم أعطاها رقمه وطلب منها محادثته في اليوم التالي عندما تسنح لها الفرصة كي يخبرها إن حدَثَ أمر ما ،
أومأَتْ رأسها بالموافقة والإبتسامة تغمر وجهها ،
فقد كانت واثقة أنه سيساعدها كَونَ زوجها وأمه يمدحانه كثيرا بأنه رجلا ذو أخلاق حسنة ولا يحب الخطأ.
إتَّصلَتْ به كما طلب منها ، فقال لها :
إن شعوركِ صحيح ، لكن يجبُ أن أقابلكِ بعد ساعة في مطعم بعيد قليلا عن منزلكم كي لا يرانا أحد وأقصّ لكِ ما حدث.
إقرأ أيضا: تقول حيرني أمر صديقي عيسى بعد خروجه من السجن
وصلَتْ على الوقت المحدد ووجدَتْهُ بانتظارها ؛ وعندما مدَّ يده لمصافحتها ،
تفاجأَ أنها اكتفَتْ بإيماء رأسها ، ثم أيقنَ حينها بصدق زوجها عندما أخبره أنها لا تُجالسُ رجالاً ولا تُصافحهم ،
فقد كانت تُقَدم له الضيافة بكل مرة وتعود لغرفتها ، وما إن جلسَت حتى قال لها :
ونحن في طريقنا لمنزل صديقنا ، إتصل زوجكَ بامرأة وحاولَ أن يتحدَّث بعيداً عني كي لا أسمعَ كلمة مما يقول ،
لكني إستطعتُ أن أسمع بضع كلمات فقد قال لها ، إشتقتُ لكِ ، ثم عرفتُ بمحضِ الصدفة ، أنها تلك المرأة هي ذاتها أختُ صديقنا ،
فقد لمحْتُهُ يُمسِكُ يدها وهي تضحك له ثم عاودَت مسك يده باعتقادهما أنَّ لا أحد يراهما لكني أنا كنت أرى كل شيء.
إنهالت دموعها كزخّات المطر ، فحاول أن يُمسِكَ يدها كي يُهدِأَ من روعها ، فسحبتَ يدها وزمجَرَت بوجهه قائلة :
لستُ من النساء اللواتي يستسلمْنَ لأي رجل يَدَّعي مواساتهن ، ولو لم أكن مضطرة لما جلستُ معك ،
فحديثي معك أكبر ذنب إرتكبته في حياتي.
ثم عادت إلى منزلها وتركته مصعوقاً من كلامها ، فلم يرى إمرأة بتلك العِفّة كونه لم يتعرّف إلا على شبيهاته.
لم تُخبر أحداً لأنها لا تملك دليلاً عليه ، فالتزمَت الصمت ،
ولكنها لم تكن تعرف بأنَّ صديق زوجها كان يخطط أن يأتيها بالدليل ولأنه كان على علم مسبق بعلاقة زوجها بأخت صديقهم ،
إستغل معرفته بتحركاته ، ولم يمضي أسبوعان حتى إتصل بها وأخبرها أن تأتي برفقة أم زوجها كي يَريَانه جالساً معها ،
إنطلقَتا كالبرق لنفس المطعم الذي رأته به ، فرأت زوجها ملاصقاً لتلك المرأة ثم قبل يديها وأمسكهما وهما يمعنان النظر بعينَي بعضهما ،
وكأنَّ لا أحد في المكان سواهما ، وعندما رأت أمه ذلك المشهد وقعت أرضاً ،
إقرأ أيضا: أحد السجناء في عصر لويس الرابع عشر محكوم عليه بالإعدام
فانتبه لوجود زوجته وأمه وما إن رآها ملقاة على الأرض حتى هرول إليها ثم نقلها إلى المشفى مع زوجته.
توفيّت أمه بأزمة قلبية نتيجة الصدمة ، والحزن الذي شعرَت به فقد أيقَنَت أنها ستخسر زوجة إبنها لأنها كانت تعتبرها أكثر من إبنة لها.
لم يكتفي صديقه بذلك بل أرسل لزوجته بضعة صور له مع تلك المرأة ومقطع فيديو مع إمرأة أخرى كي تستخدمها ضده في قضية الطلاق ،
وما إنْ تمَّ الطلاق وأنهَت شهورَ عِدَّتها حتى ذهب صديقه لخطبتها وتأليفِ كذبة بأنه هو صاحب الخُلُق الذي كان يحاول ردع طليقها في كل خطأ يقوم به.
وافقت على الإرتباط به وتمّ الزواج ، لكنه كانَ قد عَرِفَ النعمة التي خسرها صديقه وقرّر أن يُحافظ عليها وأنهى كل علاقاته السابقة ،
وأصبحَ لا يضيعُ يوماً بدون أن يمضيه مع زوجته التي عشقها عشقاً جعلها تعشقه أضعافاً ،
وبَقِيَ صديقه السابق وحيداً مكتئباً من كل الصدمات المتتالية التي تعرَّض لها.