كان صفوان بن أمية قد طلب مهلة شهرين حتى يسلم ، فأعطاه النبي صل الله عليه وسلم أربعة أشهر واستعار منه النبي عدة المحارب ،
وقد أعطاه مائة من الأبل كما أعطى زعماء مكة أيضا.
ثم وجده صل الله عليه وسلم ما زال واقفاََ ينظر إلى أحد شعاب حنين وقد شد إنتباهه شِعبٌ وقد مُلئ إبلاً وشياه ،
وقد بدت عليه علامات الإنبهار بهذه الكميات الكبيرة من الأنعام.
فقال له الحبيب : أبا وهب ، أيعجبك هذا الشِعب؟؟
فقال صفوان : نعم
فَقال : هو لك وما فيه
قال صفوان : لي ؟!
قال: نعم.
يقول الصحابة : فأشرق وجه صفوان وقال : إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا ،
ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
فأسلم صفوان رضي الله عنه وصدق إسلامه ،
وعندما وجد الأنصار عطاء النبي من خمسه (حصته) لسادة قريش مسلمها وكافرها ،
عطاء ليس له حدود وجدوا في أنفسهم (أي تأثروا)
فقال بعضهم لبعض : لقد لقي النبي قومه (أي رجع لأهله وفرح فيهم).
غفر الله لرسول الله ، يعطي قريشاَ ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم بالأمس؟!
فلما بلغت هذه المقالة النبي عليه السلام كان لها أثر في نفسه ،
وأرسل إلى سعد بن عبادة زعيم الخزرج وهو الباقي من سادة الأنصار ، وقال النبي لسعد :
يا سعد ما مقالة بلغتني عن قومك؟
إقرأ أيضا: آية في القرآن أكررها وأخاف منها كثيرا
قال له : أجل يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء ،
الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب ولم يكن لهذا الحي من الأنصار منها شيء.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام له : فأين أنت من ذلك يا سعد؟
فقال سعد : ما أنا إلا رجل من قومي!
فَقال له النبي : إذن فاجمع لي قومك لا يخالطكم غيركم.
فخرج سعد فجمع الأنصار
(الأوس والخزرج) في شِعبٍ لم يدخل فيه إلا أنصاري.
وأتاهم النبي صل الله عليه وسلم وحده لا يصحبه إلا الصديق أبو بكر فحياهم بتحية الإسلام ،
ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر الأنصار
ألم تكونوا كفارا فهداكم الله بي؟
ألم تكونوا عالة فأغناكم الله بي؟
أَلم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟
ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟
قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل؟
قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقتُم ولصُدِّقتُم
قولوا: ألم تأتِنا مكذباً فصدقناك؟
ألم تأتِنا مخذولاً فنصرناك؟
ألَم تأتِنا طريداً فآويناك؟
ألم تأتِنا عائلاً فواسيناك؟
فارتفع صوت الأنصار بالبكاء وضج المكان وهم يقولون : المنة لله ورسوله يا رسول الله.
فقال لهم : ما مقالة بلغتني عنكم ووجدة وجدتموها في أنفسكم ،
تقولون: لقد لقي محمد اليوم قومه.
إقرأ أيضا: كلام عظيم يقول الشيخ السعدي رحمه الله
يا معشر الأنصار أوجدتم في أنفسكم لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب قوم ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله في رحالكم؟
فقالوا: أَوَفاعل أنت يا رسول الله؟
(وكانوا قد غلبهم الظن أن النبي سيقيم في مكة فقد أصبحت دار إسلام وهي مسقط رأسه وهي بلد الله الحرام ،
فظنوا أن النبي لن يرجع للمدينة معهم ففاجأهم بهذا الخبر المفرح)
قالوا : أَوَفاعل أنت يا رسول الله؟
قال : أجل المحيا محياكم والممات مماتكم أنتم الشعار والناس دثار.
(الملابس الداخلية التي تلاصق الجسم تسمى شعاراََ لأنها تلامس شعر البدن أما القميص يسمى دثاراَ)
أنتم الشعار أي أنتم أقرب لجلدي أنتم أهلي وعشيرتي وأحبابي رضي الله عن الأنصار وباقي الناس دثار.
أنتم الشعار والناس دثار ، فوالذي نفس محمد بيده لو سلك الناس قاطبةً شِعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكتُ مسلك الأنصار ولولا الهجرة لكنت واحداً من الأنصار.
ثم بسط يديه وهو يقول : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.
يقول الأنصار : فظننا أنه لن يسكت حتى يعد مئة جيل من الأنصار.
وبكى عليه الصلاة والسلام وقال : ألم أعهد إليكم يوم العقبة (الدم الدم والهدم الهدم)
أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم
المحيا محياكم والممات مماتكم.
(أي سأعيش ما عشت معكم واذا مِتُ سأدفن بأرضكم)
فبكى الأنصار حتى اخضلّت لحاهم وهم يقولون :
رضينا برسول الله صل الله عليه وسلم رضينا رضينا ، خذ ما بأيدينا من أموال وأعطها لأهل مكة.