كل شيء زاد عن حده انقلب ضده

كل شيء زاد عن حده انقلب ضده

كان هناك إمرأة لا تهوى شيئا أكثر من الإعتناء بجمالها ، تواكب صيحات الموضة والماكياج وتسريحات الشعر ، عدا عن الإعتناء ببشرتها ،

وكان ذلك على الرغم من المصاريف ، يُسْعِدُ زوجها كثيرا ، فكلما طلبت منه النقود كان يقول في قرارة نفسه :

وما أفضل من أن يكون لدى الرجل إمرأة جميلة وأنيقة ، فلو لم تكن تحبني لم تعتني بنفسها.

إستمر ذلك بضع سنوات بعد زواجهما ، إلى أن تطوَّرَت مفاهيمها عن الجمال من صديقاتها وقريباتها ، لهوس عمليات التجميل.

فقالت لزوجها ذات مرة :
أريد منك مئة ألف لأقوم بعملية تصغير لأنفي.

نظر لها بدهشة عارمة :
وما حاجتكِ لذلك ؟!

ألا ترى أنه بحجم حبة البطاطس.
ومن قال لكِ ذلك ؟!
عيناي.

فقال لها مازحاً:
وأنا تعجبني حبة البطاطس التي تتوسط وجهكِ.

إنفجرت باكية ثم قالت :
هذا دليل مؤكد منك أنَّ أنفي مثير للإشمئزاز ، وأنا تعبتُ من تصغيره بالمكياج ،

لماذا لا تعطني النقود ، لم أعهدك بهذا البخل قط.

إعتصر الألم قلبه ، ووافق بعد أن قال في قرارة نفسه :

ربما معها حق ، وعملية تصغير أنف لن تؤثر على شكلها ، بل على العكس ستزيدها جمالاً ، وتُريحها من وضع مساحيق التجميل وكله لأجلي.

إقرأ أيضا: في عام 2007 لوري كابل كانت تقود سيارتها

بعد أن رأى أن جمالها قد ازداد ، ونفسيَّتها قد تحسَّنَت بضعة أشهر بشكل كبير ،

لدرجة أنها أصبحت كطفلة وديعة بحركاتها ودلعها عليه ،

فشعر حينها أن قراره كان صائباً ، لكن عندما طلبت منه نقوداً لعملية تجميل أخرى ،

بدأ الضيق يتسرب لقلبه ، وبدأت أفكار تراوده لم يخطر بباله أنه سيفكر بها يوما ما.

أريد مبدئيا مئة ألف لأقوم بعملية شد لخدَّاي وجفناي.

نظر لها بدهشة عارمة ، وقبل أن ينطق بكلمة تابَعَت :

حال خدَّاي وجفنايَ كحال أنفي ، أضع المساحيق الكثيرة لأقوم برفعهم ، والعملية ستريحني من وضع المساحيق.

لستِ مضطرة أصلاً لرفعهم ، شكلك مقبول حتى بدون مساحيق.

كانت كلمة مقبول كشتيمة لها ، فانفجرت بوجهه غاضبة :

لقد أوقَعَكَ لسانك ، فأنا أسعى إلى الجمال ، وليس إلى القبول.

أولاً ، إخفضي صوتك ، وثانياً ، إنَّ كل ما تقومين به لأجلي وأنا معجب بكِ كما أنت ، فلا داعٍ للعمليات.

لكنها لم تتوقف عن الصراخ وهي تقول :
لأجل من ؟! ، عجَّلَ الله أجَلَكْ ، أنا أقوم بكل هذا لأجلي.

لم يجد من نفسه سوى أنه ضرَبَها كَفَّاً ، أطاحَ بها أرضاً ،

ثم خرج من المنزل بدون أن يرى أمامه واستقلَّ سيارته وسابق الرياح إلى حيث لا يدري ،

ولم يعدْ لوعيه إلا عندما كاد أن يتعرَّضَ لحادث سير.

حينها توقَّفَ وأَتَتْهُ فكرةَ أن يدفع للطبيب نقوداً أكثر كي يجعل عملية زوجته أفْشَلَ عملية ،

ويصيبها بتشوّه يجعلها لا تستطيع أن تخفيه حتى بمساحيق التجميل ، لكن سرعان ما انتزع الفكرة من رأسه ،

وفكَّرَ بأن يخونها مع الخادمة أمام عينيها ، نظير أن يعطيها النقود كي تقوم بالعملية ،

لكن سرعان ما انتزَعَ الفكرة من رأسه أيضا ، كونها أفكار شيطانية لا تُشبِهُه ، ودُهِشَ كيف إستطاع أن يضربها.

إقرأ أيضا: تزوج وفاء وعلي عن حب ومرت الأيام والسنين

فتساقطت دموعه لأول مرة في حياته ، عندما تذكَّرَ دعاءها عليه ، واعترافها بأنَّ كلَّ ما تقوم به لأجلها وليسَ لأجله ،

فشعر أن كل حياته معها كانت كذبة ، وبلحظة تَبخَّرَ كل حبه لها ، لكنه استمرَّ على فكرة الإنتقام منها لكن على طريقته الخاصة.

عندما عاد إلى المنزل مساءاً ، توقع أن يرى ورقة كُتِبَ عليها : أرسل ورقة طلاقي لمنزل أهلي ،

لكنه فوجِئَ عندما رآها جالسة تنتظره أمام مائدة بها ما لذ وطاب ، وبأناقة كأنَّهم على وشك إستقبال الضيوف ،

لكنه لم يقل كلمة لها ، بل أسرع ليأخذ وسادة ولحاف ، واتجه إلى الكنبة مُتَلَهِفاً للنوم بعد يوم كئيب ،

وما إن إستلقى على الكنبة حتى أقبلَت نحوه وهي تقول :

آسفة ، أعتذر منك كثيراً ، وأرجو أن تُسامحني ، أنا لا أقوَ على خصامك.

إتَّسَعَت حدقتا عينيه من الدهشة ، وقبل أن تنفرج أساريره من السعادة قالت له :

كونكَ لم تُعارض عملية تجميل أنفي ، فلا أستطيع الزعل منك ، وإن أردْتَ أن أسامحك على صفعي ،

أريد نقوداً لكي أقوم بعملية شدٍّ لخدَّاي وجفناي.

شعرَ بتلك الكلمات كأنها ردَّت له الصفعة ، وبدون أن ينظر إليها قال :

لكِ ما أردتِ ، لكن دعيني أنام اليوم هنا.

قفزت كطفلة وهي تصفق ، ثم أكلت بضع لقيمات وذهبت إلى النوم ،

لكنه لم يستطع النوم بتلك الليلة وهو يفكر بخيبته منها ، وكيف أنه عاش معها مخدوعاً ، وتذَكَّر مواقف على مر السنوات ،

كانت أمام عينيه تخبره أنها لا تحبه أو تكترث لأمره حتى ، لكنه تجاهلها وقدَّم حسن النية.

بنفس الوقت حَمَدَ الله أنها قد كُشِفَتْ على حقيقتها ، فقرَّرَ أن لا ينتزع من رأسه فكرة الإنتقام منها.

إستيقظ عند الظهر متثاقلاً أن ينهض من الفراش ، لكنه قاوم تعبه ، وبعد أن شَرِبَ فنجان القهوة قال لها :

إحجزي عند طبيب التجميل ، فسوف أذهب معك للإطمئنان عليكِ.

كادت أن تكَسر أضلاعه من قوة الحضن ، ثم حددت موعداً مع الطبيب ، ومع أنه يتعارض مع وقت عمله ، لكنه رتَّب أموره وذهب معها.

إقرأ أيضا: إمرأة أربعينية ضئيلة الجسد ملامحها تدل على جمالها

أظهر لها إهتماماً كبيراً وتعاطفاً معها بسبب ألم ما بعد العملية ، واستمرَّت معه بغاية السعادة والسلام بضعة أشهر ،

لدرجة أنه كاد أن ينسى إنتقامه ، لكنها عندما قالت له :

أريد أن أقوم بعملية لشفط الدهون ونحت الجسم.

شُلَّ لسانه عن الحركة بضع دقائق ، ثمَّ قال لها : لكِ ما أردت.

بغضون بضعة أسابيع ، كان قد خَطَبَ فتاة جمالها الطبيعي يُعادل جمال زوجته بعد عمليات التجميل ، وقبل زفافه بيوم قال لزوجته :

لم يعد ينقصكِ سوى عملية تكبير للفك كون وجهك صغير جداً ، وبنفس الوقت ستقوم هذه العملية بشدِّ وجهكِ ،

ويبقى نفخ شفَّتَكَ العليا كي تُطابق حجم السفلى ، وبهذا تكوني قد أصبحتِ شبيهة الدمية.

أخَذَت إبتسامتها عرض وجهها ، وقبل أن تنطق بكلمة تابع كلامه قائلاً :

سأعطيكِ كل النقود التي تحتاجينها بشرط أن تحضري زفافي غدا.

فقالت ضاحكة :
أنا لا أحب المزاح من هذا النوع.

فأخرج هاتفه المحمول ، به كل صور الخطوبة ، وبدون أن تُبدِي أيَّ رد فعل قالت له :

إن وضعتَ النقود بيدي الآن سآتي.

ضحك بسخرية ثم قال :
لستُ غبياً لأن لا أعرف كيد النساء ، سأعطيكِ نصف المبلغ الآن ونصفه بعد أسبوع العسل.

موافقة.

حضرَت الزفاف وكأنَّ العريس لا يقربها أصلاً ، وبعد أسبوع أخذت النقود ، وطلبت منه أن يحضر العملية برفقة ضُرَّتها ،

حينها أيقن مع زوجته أنها مريضة نفسياً ، فقالت له كأنها قرأت أفكاره :

أرى أننا يجب أن نأخذها لطبيب نفسي.
نظر لها بدهشة عارمة :

إقرأ أيضا: من أكثر قصائد العرب حزنا

هذا ما كنت أفكر به الآن ، بارك الله بك ، لعلَّنا نستطيع إخراجها من حالتها النفسية قبل أن تطلب عمليات أكثر.

ما إن تعافت من العملية واستعادَت نشاطها ، حتى عرض عليها الذهاب إلى الطبيب النفسي ،

وهو لا يعلم أنَّ ذلك سيكون سبباً في إنهاء زواجهما.

بعد أن تعالى صراخها وقامت بتكسير كل ما وقع تحت يديها ، ذهبت لمنزل أهلها ، وأصرَّت على رفع دعوى طلاق ،

فلم يُحاول أن يردعها أو يصالحها ، بل شعرَ كأنَّ حِملاً ثقيلاً قد أُزيحَ عن عاتقه.

ما إن تمَّ الطلاق ، حتى قالت له زوجته :
أنا حامل .

كانت فرحته لا تُضاهيها فرحة ، فقد يَئِسَ من أن يصبح أباً بعد أن عجز من الذهاب إلى الأطباء ، وجميعهم قالوا نفس الكلام :

أنت لا تعاني من مشاكل ولا زوجتك ، لكن لم يَشَأ الله بعد أن تُرزَقا بمولود.

حينها فقط أدركَ فضل الله عليه وحكمته.

Exit mobile version