كنت أعرف صديقاً أصابه السكري مبكراً ،
و تآكل جسده بصمت بسببه ،
ناهيك عن جرع الأنسولين اليومية التي أحالت ذراعيه غربالاً.
وحين سمعتُ خبراً سيئاً عنه
ذهبتُ مؤدياً الواجبَ بزيارتهِ مطمئناً عليه ،
و إذ به صدفةً قد استعد للذهاب إلى الطبيب
سلمتُ عليه ، تناولتُ معه الشاي ولأجله “دون سكر” ،
أعلم أن لهذا الداءِ آثار سلبية على الشبكية لكن لا يزال باكراً عليه !
أتت زوجته لتحضرّ له عصاه ، فقد اشتد ضعف عينيه أكثر مما تخيلت
لأنه لم يتصرف بطريقة تجعله يبدو كذلك ،
فقلتُ له : ( لا داعي للعصى ، أنا هُنا )
ابتسمَ لكلامي ،
أمسك يدي ، صعد سيارتي ، شغل موسيقى باختياره ، كانت موسيقى بنكهة الحزن الكلاسيكي العراقي القديم
نزلنا إلى عيادة الطبيب ، ثم إلى المختبر الجانبي ، و سوقٌ شعبي وسط المدينة
عبرنا شارع ، و سرنا على جزيرةٍ وسطية ،
صور كثيرة فاشلة لسماءٍ تكدست بالغيوم ، و نجومٌ يتيمة ، و جمعنا حديثٌ طويل
و طوال الطريق ظلّ يسألني :
( علي هل هذا رصيف؟ هل الإشارة المرورية حمراء؟ أهناك شيء امامي ، هل الباب مفتوح ، أهذهِ دكة ؟ ، كم درجةً هنا ؟)
إقرأ أيضا: مزيج البصل والليمون له فوائد مذهلة
و أسئلة مفتوحة و بابُ اجوبتي مفتوح
على الرغم من علاقتي به البعيدة نوعا ما ، لكن ، أسعدني مشواري القصير معه أكثر مما يمكن ووصفه بكثير
فنحن سعداء حين نهب لأحدٍ سعادة وإن كانت صغيرة
أقوياء بقدرتنا على أن نهب الحب رغم حطامنا ،
فما نحتاجه حقاً هو المزيد من العطاء
فالإنسان يكون بخير حين يعطي
لا حين يأخذ وما يسمونه قوة هو ليس مرادفاً للقسوة ، ولا للامبالاة ،
القوة في رقة القلب و رقة الشعور
اسعدوا غيركم ولو بسعاداتٍ صغيرة لا تكادُ تذكر ، ولو بكلمة
فنحن نَسعَدُ حين نُسعِد !!