كنت في صدد إيصال أمي لطبيبها الخاص الذي يقطن في ولاية غير ولايتي وتم الأمر بسيارتي.
إستيقظنا في الصباح الباكر بعد أن رتبت أمورها وأوراقها اللازمة للموعد كما نمت باكرا على غير عادتي لأجل أن أرتاح لكي لا أرهق أزاء السياقة وأستيقظ باكرا صباح يوم غد.
بدأت رحلتنا قبل بزوغ الشمس فأقلعت بسيارتي تحت نجوم الفجر التي كانت تلمع في السماء.
كان علي إيصال أمي بسرعة لكي أعود لعملي في أسرع وقت من ثم أعود مجددا لأصطحبها مساءا ،
خلال سياقتي وبعد مضي ساعة من الزمن بالتحديد في أحد طرق الأرياف التي مررت منها آنذاك ،
كانت هنالك أنثى عشرينية في ذلك اليوم الصباحي البارد تقف جنب الطريق منتظرة من يقلها لكن ليس أنا طبعا ،
فجأة أمرتني والدتي بكبح الفرامل وركن السيارة جانبا فسألتها لماذا ؟ لكنها أصرت على هذا الأمر دون أي نقاش ، فلبيت الأمر كجندي لقائده.
قد للخلف
قالتها وهي تنظر للوراء إلى الأنثى المتخشبة جنب الطريق .
ناديتها بعتاب :
ماما ؛
تفرستني بنظرة تشي بأن لا أعصي ما أمرت ، قدت السيارة للخلف إلى حين وصلت إليها.
فتحت والدتي الباب وترجلت لتتكلم معها بينما أعصابي على جمر ،
أخذتا دقائق تتكلمان بينما أنا ألمحهن من إنعكاس صورتهن على مرآة السيارة اليمنى لكن نفذ صبري ،
ما إن وضعت رجلي على الأرض رمو بخطواتهن نحوي ،
كانت أمي ممسكة بيد تلك الأنثى وتمشي رويدا رويدا تعلوها إبتسامة لم أرى مثلها منذ أشهر منذ أن فتك بها المرض ،
إقرأ أيضا: ذهب تاجر إلى إحدى القرى المشهورة بانتشار الفئران فيها
بدا لي الأمر في البداية عادي ، قلب أمي طيب جدا فهي تنزع من نفسها لتفديه للمحتاجين ،
كانت دائما تنصحني بأن الحياة ما دمنا على قيدها سنعطي فقط دون أن ننتظر المقابل.
جلستا بالكراسي الخلفية لكن ما لاحظته أن أمي لم تترك يداها ،
كانتا تتحدثان بصوت خافت كدت لا أسمعه ومع اقلاعي بالسيارة وصوت المحرك بت حقا لا أسمع شيئا.
كانت أنثى ذات ملامح عروبية خجولة خمرية البشرية محجبة وعيون سودوية ورموش عريضة قليلة ،
الحديث مطرقة الرأس طيلة فترة ركوبها ، إرتاحت لها أمي من الوهلة الأولى هذا ما استنتجته ،
كانت تطرح عليها مجموعة من الأسئلة وهي تكتفي بالإجابة على قدر السؤال ، إلى حين فتحت لها موضوع الزواج ففهمت مقصد أمي من كل هذا.
زدت من سرعتي لأصل باكرا بينما نزلت الأنثى في مكانها الموعود وعدت أدراجي للعمل ،
وأكبت الروتين بينما كان جل تفكيري منصب عند أمي ، مضى الوقت بسرعة فهرعت لإصطحاب الوالدة ، كانت تنتظرني قرب العيادة.
خلال شوط الطريق إلتزمت الصمت ولم تتفوه بكلمة ، حيرني سكوتها المخيف خمنت لوهلة أن ما بشره بها الطبيب لم يكن خيرا ،
وأن صحتها بدت بالتدهور وحتى لو كان ذلك صحيح أليس من حقي أن أعرف !
ماما ؛
يا عيون الماما ؟
أأنت بخير ؟
إبتسمت وربتت على كتفي :
على حسب ما قاله الطبيب ، جسمي يستجيب للعلاج سيكون خير بإذن الله.
تنفست الصعداء أخيرا ، أكملت قيادتي حتى وصلنا للبيت ، دلفنا فأخذت حمام ساخن من الحركة ثم إنبطحت على سريري جراء التعب ،
ولهنية أغمضت عيني ونمت نوما عميقا.
إقرأ أيضا: بينما أنا جالس على أريكتي أطالع رواية
لم أستيقظ إلا على كف أمي وهي تمسح على رأسي ، قبلتها ثم قمت بالبديهيات الصباحية ( صلاة ، غسل وشرب القهوة .. ) ثم إلتحقت بعملي.
فجأة رن الهاتف ، رقم مجهول ! كنت مشغول ، فلم أجب .
وصلت فترة الغذاء أي الراحة ، إغتنمتها في الإتصال بذلك الرقم لكن ما من مجيب ، رميت هاتفي على الطاولة وبقيت شارد الذهن.
إنتهت فترة الراحة فباشرت عملي حتى النهاية.
مضت باقي الأيام هكذا ، كان الرقم يتجدد إتصاله كل مرة بينما أكون منشغل ،
في حين أعاود الإتصال به في فترة راحتي لكنه لا يجيب ،
لم أفكر مطلقا أن أتصل به ليلا إلى أن قررت فجأة وأعرف من يكون هذا الرقم المجهول.
رنة تليها رنة فجأة إنبثق صوت أنثوي عذب :
السلام عليكم .
إنعقد لساني فنظرت لشاشة الهاتف لأتفحص الرقم إن كان هو ، بالتأكيد هو !
مرحبا ، وعليكم و السلام ، أظن أنك كنت تتصلين بي منذ زمن لكني كنت مشغول وقتها.
اه ، أعتذر إن ضايقتك.
إعتذار ، من معي من فضلك ؟
لا أظن أنك تعرفني ولا أعرف إن ما زلت تتذكرني لكن ما دمت أدين لك بشكر فبقي عندي دين.
عن ماذا تتحدثين ؟
لأنك أخذتني لحلمي الذي كاد أن يضيع مني ، لأنك فجأة ظهرت من العدم كفارس جامح وكنت سبب من الأسباب لأكون أسعد أنثى في ذلك اليوم ،
كنت منجدي الذي إنتظرته صباحا بشغف ، لولاك لضاعت مقابلة عملي ولو تأخرت دقيقة ولو لم تزد من سرعة سيارتك ،
التي كنت أريد أن أصرخ في أذنيك لأجل أن تنطلق كالصاروخ لما كنت في الموعد ،
إقرأ أيضا: رب ضارة نافعة
أعلم أن شكري لن يكفي لك ، لكن هذا ما يتوفر عندي حاليا شكرا لك.
كنت أسمع لنبرة صوتها الخارقة وكأنها تهمس في أذناي ، سألتها :
من أين لك رقمي ؟
ضحكت وأجابت :
والدتك ، والدتك هي من قدمته لي قصد إحتياجي لأي مساعدة ، إلا أنني حمدا لله لم أطلب من أي إمرء ولو كنت محتاجة فلي رب ادعوا له ليحقق لي.
جميل ، تقبلت شكرك.
تحدثنا ليلتها طويلا حتى أني لم أشعر بالوقت كيف مر ، إلى اةأن إغتالني النوم وأنا أحدثها.
إستقظت في اليوم الموالي لأجد رسالة منها تقول : لقد سمعت نفسك يا طفل.
لا أعلم ما اختلجني يومها كما لم أرد أن أكشف لأمي عن ما جرى ليلة البارحة إلى أجل ،
كثرت مكالمتنا واعتدنا على بعضنا البعض بطريقة جهلناها ،
كثرث رسائلنا سويا وبتنا نسرد لأنفسنا طرائف يومنا ، كأنه كان مقدر أن نلتقي وبالفعل حدث ما حدث !
إلى أن أتت الصدمة التي لم أكن أنتظرها وهي مرض امي ، تدهورت حالتها كثيرا وجن جنوني.
أخذتها لطبيبها الخاص تفحصها وابقاها تحت عنايته ، لم يبشرني هذه المرة بخير ،
أمي ليست بخير ، هل سأفقدها ، قبل موتها بحوالي ساعة وهي على السرير قالت لي :
حبيبي يا غالي ، لطالما كنت أريد أن أحضن أحفادي وأراهم يحبون أمامي ، تمنيت أن أسمع صوت بكائهم وأشم رائحتهم ،
كان لي حلم أن اغير حافظاتهم ، ما بيدي قرار فقرار ربي أعلم وأدرى ،
لقد نمت منام يا بني قبل أن ألقيك مع من أحب قلبك وكانت تلك رسالة من عند ربي كجزائه لسلبي لحظة رؤية أحفادي ،
و هو أن أموت وأنا على دراية بأن لك أم بعدي تعتني بك ، إنها نعمة حواء قد صادفتها في حياتك فلا تغضبها ولا تجرحها ولا تفكر في كسرها ،
إقرأ أيضا: القصاص العادل قصة مؤثرة تعلمنا أنه كما تدين تدان
كن رجلا مثل أبوك وشهم ، قبل أن تكون زوجة لك إنها أمانة عندك ، فلا تخيب آمالي يا قمري ،
تزوجها ، تزوجها فلقد رأيت فيها حناني في كف يديها ولن تندم على قرار أمك بمشيئة الله ، لطالما أردت لك الخير.
آنذاك إكتيفت بإرتشاف دموعي ، ضعت وضعفت ، أمي تسلب من أمامي وأنا لا حول و لا قوة لي.
نعم ! توفيت الماما والنور ساطع من على وجهها ، لم تنشف دموعي بعد أسبوع أخذت بوصاية أمي ،
وتقدمت لخطبتها وفعلا وجدت فيها نبع حنان أمي.
كل مرة تزرني أمي بقفطان أبيض مرصع بالذهب وهي تبتسم وتحضن كما تلعب مع أحفادها ،
إتها سعيدة كفاية وهذا يكفي لسعادتي ما دمت حي.