كنت في طريق عودتي من الدراسة رفقة صديقتي
كنت في طريق عودتي من الدراسة رفقة صديقتي ، فباشرت الأمطار بالهطول علينا فجأة ،
ورغم محاولتنا الإسراع في سيرنا تفاديا التبلل قدر الإمكان ، إلا أن غزارتها منعتنا.
فلجأنا إلى دكان قريب نحتمي بسقفه ، كان الدكان قريبا جدا من منزلنا ، وهذا ما أشعرني بالارتياح ،
عكس صديقتي التي كان منزلها لا يزال بعيدا عنا.
حينها ابتسمت وقالت لي : طوبى لك! منزلك هنا ، أنا التي لازال ينتظرني الكثير حتى أبلغه.
لم أعرف هل أشعر بالارتياح لقرب منزلنا ، أم أحزن على صديقتي التي خشيت التقدم خوفا من تبلل ثيابها.
وما أحزنني أكثر هو عجزي التام عن دعوتها للدخول لمنزلنا حتى يخف المطر ،
فمنزلنا ليس بتلك الفخامة التي تجعلني لا أخجل من دعوتها إليه ، فحاله رثة ، وجدرانه مهترئة ،
خصوصا بعد هذا المطر.
أكيد أن أمي قد ملأت أرضيته دلاء تحصر داخلها قطرات المطر المتسللة من شقوق سقفنا ،
فبعد إصابة والدي في عمله لم يعد قادرا على إصلاحه لنا ، ترددت كثيرا في دعوتها من دونها ، ارتبكت ، توترت ، خجلت جدا.
أعلم أنها صديقتي ولن تسخر من منزلنا وتشققاته ، ستتفهم ، ستدعي عدم اهتمامها ،
لكن والدتها ستسألها وستخبرها عنه ، وقد تخبر باقي صديقاتنا أيضا ، ستسخر بعضهن مني ويتغامزن سرا علي ،
والبعض الآخر سيشفقن على حالي.
كل تلك الأفكار ظلت تدور في رأسي ، تصدني عن دعوة صديقتي التي كانت على الأغلب تنتظر مني دعوتها.
فحاولت المغادرة بعد نفاد صبرها ولم أقوى حتى على منعها!
حينها فتح الباب بغتة ، كانت اأمي وهي ترقب عودتي في ذاك الجو الماطر ، فطلبت من كلينا الدخول مباشرة دون تردد أو خجل ،
فرحبت بصديقتي ودعتها لتناول الغداء معنا ، فقد أعدت خبزا شهيا لم تستطع صديقتي مقاومته.
إقرأ أيضا: للحب وجوه أخرى
وأثناء ذلك ، طلبت منها اعطاءها رقم هاتف والدتها لتخبرها أنها عندنا ، أكيد أنها قلقة عليها ، فكان ردها :
لا تقلقي يا خالة ، سأخبرها عند وصولي.
لكنها ستقلق من تأخرك!
لن تعلم بتأخري ، هي ليست هنا ، لذا لا تقلقي.
فهمت، هي في العمل.
كلا ، في بيت جدي.
قالتها والدموع تتجمع في عينيها ، أخفتها بابتسامة مفاجئة وهي تمدح خبز أمي وبأنها لم تتناول مثله.
أزعجتني أسئلة أمي حينها حتى أوقفتها ، فقد كان واضحا عليها التردد والخوف وهي تجيبها ،
والمزعج أكثر هو حال صديقتي التي يبدو أنها بعيدة عن والدتها بسبب مشاكل مع والدها وربما طلاقهما ،
ومع هذا لم تخبرني عنها ، لعلها هي الأخرى شعرت بالخجل أيضا من شقوق بيتها.
فاختارت التستر عليها خوفا من سخرية الغير أو إشفاقهم عليها ، فظلت تختصر الأجوبة تارة وتارة تتهرب منها.
حينها أدركت أن بيتنا ليس البيت الوحيد المشقوق كما كنت أظن ، كل البيوت مشقوقة ، كلها تقطر بالماء ،
إما من سقفها أو على وسائدها.
وأن كل شخص له طريقته في التستر عليها واختيار الوقت والأشخاص المناسبين للبوح بها ،
وبما أنها اختارت الصمت لعل المياه تعود لمجاريها.
احترمت قرارها ، ولم أسألها عنها ، حتى هي الأخرى لم تسألني عن شقوق بيتنا ولم تلمح لي عليها.
وأكثر من ذلك ، جعلتني مع الأيام أحب بيتنا ولا أرى فيه عيبا ، ففرحتها بزيارتنا ذلك اليوم وحبها لخبز أمي الذي فتح شهيتها ،
وأسكت جوعها وغمر قلبها بالدفء العائلي الذي كان ينقصها.
جعلني أتغير كثيرا ، فباشرت دعوتها لبيتنا كلما فاجأنا المطر ، وعندما تزهر أزهار حديقتنا الصغيرة التي أحبتها ،
وحتى عندما تعد أمي خبزا شهيا نطيب به خاطرها ، كنت أدعوها وأدعو غيرها دون تردد أو خجل ،
فكل البيوت مشقوقة سرا أو علانية ، وبيتنا رغم شقوقه الكثيرة فيه من الحب والجمال ما يكفي لتحبه كل القلوب وتستأنس بين جدرانه ،
فهو يحمل داخله دفء بيوت مدينتنا بأكملها.