قصص منوعة

لأنها كانت وحيدة

لأنها كانت وحيدة

إستيقظت من نومها مذعورة وهي تقول أبي
مع مرور سنة كاملة على وفاة أبيها ، لكنها كانت تشعر دوما وكأنَّ وفاته كانت بالأمس ،

لم تستطع تجاوز ألم فقدانه ، فقد توفي أمام عينيها بأزمة قلبية بعدما إستيقظ في منتصف الليل وهو يصرخ :

أختنق ، هرولت إليه بقلب كاد أن يخترق ضلوعها من هول ضرباته ، حاولَتْ أن تضغطَ على قلبه ،

لعلَّهُ ضيقٌ عابرٌ في التنفس ، لكنها كانت أنفاسه الأخيرة.

لم يلبَث بضعَ دقائق حتى شَهق النفس الأخير له في الحياة ،

شعرَت وكأنَّ ما رأته كان كابوساً ، فضربت نفسها كفاً لعلها تصحو ، ثمَّ بدأَتْ باللطم وهي تصرخ : أبي.

ولأنها أتمت عامها الثامن عشر قبل وفاته بأيام ،

إستطاعَت أن تقوم بنقله إلى المشفى بعد أن أعطَتْ أجرة لرجال نظير مساعدتها إلى أن أتمَّت دفنه ،

ولم يساعدها الجيران ، كونهم كانوا يمقتون والديها لأنهما غريبان لا يعرفان شيئاً عنهما ،

بالإضافة إلى أنَّ علاقة والديها كانت مقطوعة بكل من حولهم.

تمنَّت لو كان معها أحد يقف بجانبها ، لكن لم يكن لديهم أقارب ،

فقد تزوَّجَ والداها وسافرا منذ عشرون سنة وانقطعا عن أهليهما ،

غير أنَّ لا إخوة لديها ، وأمها توفيت عندما كان عمرها خمسة عشر عاما.

بعد مضي شهر على وفاته ، إنتبهَتْ أنَّ راتبها من العمل بمصنع النسيج لا يكفيها حتى لسد رمقها ،

فقد أمضَتْ أياماً تنام بها جائعة كي تقتصد النقود لتناول الطعام قبل ذهابها للعمل ،

لتستطعَ أن تقف على قدميها أثناء عملها.

أصبَحَتْ تتحسَّر على أيام نامَت بها ومعدتها ممتلئة بالطعام والفاكهة ،

فقد كان أبيها معلّم سباكة ماهر ، لا يتوقف عن العمل ليلاً ونهار ، كي يستطيع أن يؤمن حياة كريمة لابنته.

إقرأ أيضا: المقصورة الأخيرة في القطار

بعد أن عَلِمَتْ النساء اللواتي يعَمَلْنَ معها بأنَّ أبيها توفي ولم يعد لها أحد في الحياة ، شَعَرْنَ بالشفقة عليها ،

1 3 4 10 1 3 4 10

ولم يُقَدّموا لها شيئاً سوى الأمنيات بأنْ يتحسَّنَ حالها ، إلا واحدة إقتَرَبَتْ منها وهمَسَتْ في أذنها :

عندي لكِ عرض عمل ، ستجنين ببضع ساعات ما يعادل شهراً كاملاً من العمل بالمصنع.

إتسعت حدقتا عينيها من الدهشة وقالت بلهفة :
أخبريني به أرجوك.

إرتسمت إبتسامة صفراء على وجهها :
ستمضينَ وقتاً مع الرجال ، تأكلين لحد الشبع وتشربينَ وتمرحين ، وعلاوة على ذلك ستأخذينَ النقود.

نظرت لها بدهشة عارمة :
وما الذي يدفعهم لدفع نقود مقابل أن أمضي وقتاً معهم ؟!

هنالك رجال يحبون أن يخرجوا لأماكن التسلية برفقة فتيات صغيرات أمثالك ،

يتباهون بهنَّ وبجمالهنَّ ، أي أنهم رجال مهما تقدَّمَ العمر بهم سيجدون فتيات صغيرات يرافِقْنَهم.

ولأنها صمتَت لحظات ولم ترد تابَعَتْ كلامها :

خذي وقتكِ بالتفكير وإنْ وافقتِ سأُدَبِرُ لقاءاً لكِ مع أول رجل ، وهذا كله عمل خير أقوم به لوجه الله مساعدة لكِ لا أكثر.

لم تلبَثْ دقيقة بالتفكير ، فقد وافَقَتْ على الفور وتوسَّلَت لها أن يكون اللقاء بأقرب وقت.

لم تفكر بالعواقب ولا التَبِعات التي ستترتب على خروجات كهذه ،

فقد كان جُلُّ همها أن تجني نقوداً ، تستطيع بها أن تشتري طعاماً يكفيها ، وتنتهي الأيام التي نامت بها جائعة.

مَضَى أوَّل موعد لها بسلام ، فقد نبَّهَت زميلتها الرجل الذي سيخرج معها أنها صغيرة ولا تعي هذه الأمور ،

وفي الموعد التالي بدأ بتعويدها إحتساء رشفة من المشروبات الكحولية ، أعقبها كؤوس ، ولم ينسى التدخين ، وكلَّ ذلك بعد أن يقول لها :

سيزداد إيرادكِ من النقود.

تتالت الخروجات بضعة أشهر ، مما جعل سمعتها تسوء بين الناس ، غير نظرات الإحتقار والإزدراء.

إقرأ أيضا: تقول إحداهن لقد توفيت منذ شهر نزيلة بالدار

قرَّرَ التمادي معها بعد أن رآها قد إعتادت على الأجواء ، وما إن اقترب منها وهمس بأذنها :

ستمضينَ معي ليلة لوحدنا ، تجنين أضعاف خروجك معي بالأماكن العامة.

لم تجد رداً سوى أن تصفعه بقوة ، أخرَجَت شراراً من عينيه.

توعَّدها بالإنتقام لتلك الصفعة ، فطلب من زميلتها التي كانت سبباً بمعرفته بها ، أنْ تزورها في بيتها ،

كي تعرض عليها لقاءاً مع رجل آخر ، ثم تضع كيساً من الممنوعات ، كي يقوم بدوره ويُبَلّغ الأمن.

فَعَلَت ما طلبه منها ، لقاء مبلغ مالي.

داهمَت قوات الأمن منزلها وقامت بالتفتيش لتجد الكيس بكل سهولة.

تمَّ زَجَّها بالسجن ، وكانت كالمُغيَّبَةِ عن وعيها ، لم تعي ما الذي واجهته وكأنه كابوس.

أمضت سنة بالسجن تحلم يومياً ، بليلة وفاة أبيها ، وتتحسَّر على وفاته ، لحين دخلت السجن إمرأة غنية ،

إستطاع منافسيها في العمل ، تلفيقَ تهمةٍ لها ، فلَفَتَت إنتباهها عندما رأتها طفلة بين نساء عليهن شتّى أنواع التهم.

لم تتردد بسؤالها عن سبب حبسها ، ثمَّ أخبرتها القصة كاملة.

لأنَّ المرأة الغنية كان لها نفوذ إستطاعت أن تُخرِجَ نفسها مثل الشعرة من العجين ،

وأوكَلَت نفس محاميها ليخرج الفتاة ثم أخذَتها لتعيش معها في منزلها.

لم تكتفِ بذلك ، بل إستطاعت أن تصل لزميلة الفتاة بالعمل واستدراجها لتعمل عندها ،

وبمساعدتها إستطاعت أن تُلَفّق نفس التهمة للرجل ، ثم إتهمتها بالسرقة.

شعرت المرأة الغنية بأنَّ عقابها لهما ، داوى جروحها ، فقد عانت من الظلم منذ طفولتها ،

عندما كان يُعَنّفها أبيها إلى أن زوَّجَها برجل فاحش الثراء بعمر جدها.

عاشت الفتاة بعدما كانت وحيدة ، تحت كَنَف تلك المرأة الغنية بسعادة وراحة لا مثيل لها ،

فقد أحضَرَت لها أساتذة إلى المنزل لتعليمها ، فنالت الشهادة الإعدادية أعقبها الثانوية ،

وعندما أنهت دراستها الجامعية ، توفيت تلك المرأة الغنية لتجد أنها قد كتبت كلَّ ميراثها لها ، كونها لم يكن لها أولاد.

إقرأ أيضا: يحكى أن ملك من الملوك أراد أن يبني مسجد في مدينته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?