لا تتصيدوا الأخطاء للناس ولا تمحوا ألف جميل بنزوة عابرة
زليخة عندما عشقت يوسف بل وتغلغل العشق داخلها بنص كلام الله جل جلاله : “قد شغفها حُبا”
والشغف من أعلى مراتب الحب تربصت به ، وتهيأت له ولاحقته بكل ما أوتيت مِن جاه وجمال وسلطان ،
لم تسجن مشاعرها ، أو تكبت عواطفها ، بل فكرت في طرح خصلات شعرها أرضا وخلع ثيابها المطرزة الثمينة ،
وراحت تتنازل عن شأنها العالي الرفيع ، فقط مِن أجل رجل أذهب بالحب عقلها ،
ثم قال الله لها على لسان العزيز “واستغفري لذنبك” في لحظتها ،
كي لا يتجمد رصيد فضائلها عند خطأ بعينه ، أو لزلل بشري وارد ،
ولكن بلا تجريح ، أو إهانة ، مع مراعاة عدم الإستخفاف بالذنب ،
لم يصدر عليها القرآن حكما قاسيا يصفها أنها إمرأة هوائية ، شيطانية تسعى للرذيلة ،
بل جمعها الله مع يوسف النبي في آية قرآنية بديعة : “يوسفُ أعرِض عن هذا واستغفريِ لذنبك”
ثم من أقصى مدينة إلتماس الأعذار ، خلق لها مُبررًا يُخفف حدة اللوم والعتاب عنها ،
فأخذ في سرد حكاية أخرى ، ليست بذات أثر بالغ في الأحداث.
إستدعت النسوة اللاتي يذكرنها بالمُنكر ، وأدخلت عليهن يوسف فارتبكت النسوة ،
ومررن بلا وعي السكاكين على أيديهن من جلالته وهيبته فأصبحن في الإنبهار بيوسف شركاء.
إذن ليست مشكلة إمرأة العزيز وحدها ، ليس لأنها إمرأة ذات عواطف جياشة ، أو أنها أخلاقيا تهوى الفساد ،
بل لتثبت لهن أن ما قد يبتلى به المرء يكون رغما عنه ، وأنه لا أحد كبير على الفتنة ، والوقوع في الخطأ ،
وأنه لا أحد بيده العصمة مِن الذنب أو الزلل.
إقرأ أيضا: أخي المسلم لا تسخر من المبتلي
أما يوسف كان حييا ، لم ينتهز الفرصة ليثبت أدبه أو يعلي شأنه ، أو يعزز مكانته ،
أبداً بل بكل ما أوتي من ضعف بشري أعلن ضعفه أمام مكر النساء ،
وحيلهن للوصول لهدف ما فراح يناجي ربه : “وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن”
أي أنه كان من الوارد ، ولو بنسبة ضئيلة جدا أن يستجيب لهن “يصبُ” لما يدعونه إليه ،
لذلك كل منا له أخطاؤه وليس فينا أحد معصوم ، فإن رأيت عاصيا سل الله له الهداية ، ولقلبك العافية والسلامة ،
واعلم أن كل بني آدم خطَّاء ، وخيرُ الخطَّائِين التوابون فلا تتصيدوا للناس الأخطاء ،
ولا تمحوا ألف جميل لشخصٍ مقابل نزوة عابرة وأنتم تعلمون أنه نظيف ، وأنه مَن تاب تاب الله عليه.