لا يدخل الجنة من كَانَ في قلبه مثقال ذَرَّة من كِبْرٍ
فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسنًا ، ونَعْلُهُ حَسَنَةً
فَقَالَ عليه الصلاة والسلام :
إنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ ، وغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم
الكِبرُ والتَّكبُّرُ والتَّعاظُمُ على النَّاسِ مِنَ الصِّفاتِ التي تَدُلُّ على فَسادِ القُلوبِ ، ولذلك حَرَّمَ الشَّرعُ الكِبرَ على الخَلقِ ؛
لأنَّه يَعني استِعظامَ الذَّاتِ ، ورُؤيةَ قَدرِها فَوقَ قَدرِ الآخَرينَ ، ولا يَنبَغي هذا إلَّا لله تَعالَى ؛ فهو المُستَحِقُّ له ، وكُلُّ مَن سِواه عَبيدٌ له سُبحانَه.
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النبي صل الله عليه وسلم سُوءَ عاقبة الكِبرِ ، ويُصوِّبُ بعض المَفاهيمِ عندَ النَّاسِ المُتعلِّقةِ بحُسنِ الهيئة ،
فيُخبِرُ أنَّ اللهَ عزّ وجلَّ لا يدخل أحدًا الجنَّةَ وفي قَلبه وَزنُ ذرَّةٍ منَ الكِبرِ ، والذَّرَّةُ هي الغُبارُ الدَّقيقُ الذي يَظهَرُ في الضَّوءِ ،
أو هي النَّملةُ الصغيرة ، وهو يَدُلُّ على أنَّ أقلَّ القليلِ مِنَ الكِبرِ إذا وُجِدَ في القلبِ كانَ سَببًا لعدَمِ دُخولِ الجنة ،
وعَدَمُ دُخولِ الجَنَّةِ هنا إذا كان المرءُ مُسلِمًا مَعناه : أنَّه لا يَدخُلُها ابتِداءً حتَّى يُجازَى على هذا الكِبرِ.
إقرأ أيضا: ويضيق صدري ولا ينطلق لساني
وقد ظَنَّ أحدُ الصَّحابةِ رضي الله عنهم أنّ تَجميلَ الثِّيابِ والمَظهَرِ يَدخُلُ ضِمنَ الكِبرِ الذي يُحذِّرُ منه النبي صل اللهُ عليه وسلم ،
فسأل الرجل النبي صل اللهُ عليه وسلم : هل يُعَدُّ حُبُّ الإنسانِ أن يكون ذا هَيئةٍ ومَظهَرٍ حَسنٍ منَ الكِبرِ؟
فقالَ النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ : «إنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ» ، أي: يُحِبُّ الحَسَنَ منَ الأشياء ؛
فبيَّنَ أنَّ الهيئةَ الحسنةَ منَ النَّظافةِ والجَمالِ الذي يُحِبُّه اللهُ ولا يُبغِضُه ما دامَ لم يُورِث في القلبِ تَرفُّعًا على الناس ،
وإنَّما هو من بَيانِ نِعمةِ اللهِ عليه ، ثُمَّ أوضَحَ النبي صل الله عليه وسلم أنَّ مَعنى الكِبرِ المقصودِ هو «بَطَرُ الحقِّ» ،
أي : رفضُ الحقِّ والبُعدُ عنه تَرفُّعًا وتَجبُّرًا ، وأن يَجعَلَ ما جعَلَه اللهُ حقًّا من تَوحيدِه وعِبادتِه باطِلًا ، وقيل :
هو أن يَتجبَّرَ عندَ الحقِّ ، فلا يَراه حقًّا ، ولا يقبله ، «وغَمْطُ الناسِ» ، أيِ: احتِقارُهم وازدِراؤُهم ،
فمَن كانَ في قلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ من هذا ، يُوجِبُ له أن يَجحَدَ الحقَّ الذي يَجبُ عليه أن يُقِرَّ به ، وأن يَحتقرَ النَّاسَ ،
فيَكُونَ ظالمًا لهُم ، مُعتديًا عليهم ؛ لم يَكُن من أهلِ الجَنَّةِ الدَّاخِلينَ فيها ابتداءً ، بَل يَكونُ من أهلِ الوَعيدِ ، المُستحِقِّينَ للعذابِ على الكِبرِ.
وفي الحديثِ : النَّهيُ عنِ التَّكبُّرِ ورفَضِ الحقِّ والبُعدِ عنه.
وفيه : مَشروعيَّةُ التَّجمُّلِ بِلُبسِ الثِّيابِ الجَميلةِ ، والنِّعالِ الجَميلةِ.
وفيه : إثباتُ اسمِ الجَميلِ لله سبحانه ، وأنَّه من أسمائه الحسنى.