لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليه للخلافة إنصدع قلبه من البكاء

لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليه للخلافة
إنصدع قلبه من البكاء ، وهو في الصف الأول
فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف ،

وأوقفوه أمام الناس ، فأتى ليتحدث فما إستطاع أن يتكلم من البكاء.

قال لهم : بيعتكم بأعناقكم ، لا أريد خلافتكم ،
فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت.

فاندفع يتحدث ، فذكر الموت ، وذكر لقاء الله
وذكر مصارع الغابرين ، حتى بكى من بالمسجد.

يقول رجاء بن حيوة : والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي ، هل تبكي معنا!

ثم نزل فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه.

قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين ، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئا ومسئولية أمام الله.

قربوا لي بغلتي فحسب ، فركب بغلته ، وانطلق إلى البيت ، فنزل من قصره ، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.

نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس ليكون قريبا من المساكين والفقراء والأرامل ،

ثم إستدعى زوجته فاطمة ، بنت الخلفاء ، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة.

فقال لها : يا فاطمة ، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام ،

وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر
تمتد من السند شرقا إلى الرباط غربا ،

ومن تركستان شمالا ، إلى جنوب أفريقيا جنوبا.

قال : فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة ،
فسلّمي حليك وذهبك إلى بيت المال ،

وإن كنت تريدين الدنيا ، فتعالي أمتعك متاعا حسنًا.

واذهبي إلى بيت أبيك ، قالت : لا والله ، الحياة حياتُك، والموت موتُك ،

وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها ، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.

ونام القيلولة في اليوم الأول ، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ،

فقال : يا أبتاه ، تنام وقد وليت أمر أمة محمد ،

فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة ،
كلهم يسألونك يوم القيامة! فبكى عمر.

إقرأ أيضا: أعمار الدول الإسلامية وأهم إنجازاتها

عاش عمر رضي الله عنه عيشة الفقراء ،
كان يأتدم خبز الشعير في الزيت ، وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب.

ويقول لأطفاله : هذا خير من نار جهنم.

أتى إلى بيت المال يزوره ، فشم رائحة طيب ،
فسدّ أنفه ، قالوا : مالك؟

قال : أخشى أن يسألني الله عز وجل يوم القيامة ، لم شممت طيب المسلمين في بيت المال.

إلى هذه الدرجة ، إلى هذا المستوى ، وإلى هذا العُمق!

دخل عليه أضياف في الليل ، فانطفأ السراج في غرفته ، فقام يصلحه ،

فقالوا : يا أمير المؤمنين : إجلس.

قال : لا ، فأصلح السراج ، وعاد مكانه.

وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز.

قالوا لامرأته فاطمة بعد أن توفى : نسألك بالله ، أن تصفي عمر؟

قالت : والله ما كان ينام الليل ، والله لقد إقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض ،
كما ينتفض العصفور بلَّله القطْر ،

قلت : مالك يا أمير المؤمنين؟
قال : مالي! توليت أمر أمة محمد !

وفيهم الضعيف المجهد ، والفقير المنكوب ، والمسكين الجائع ، والأرملة ، ثم لا أبكي!

سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعا ، فكيف أجيب!

Exit mobile version