قصص منوعة

لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الثاني

لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الثاني

أريد أن أعمل ، رمقني بدهشة : ولماذا العمل؟!
أجبتُ بنبرة حادة : ماذا يعني لماذا؟! ، ألا ترى وضع المنزل ووضع أمك وأخيك ،

المنزل بتوتر وكأننا أعداء ، ولو لم يكن أبيك مريضاً لا طاقة له حتى للكلام لكان طردك من المنزل.

يطرد مَن أيتها الحمقاء؟! هذا منزلي أيضاً.
انهالت دموعي بغزارة عندما سمعتُ كلمة حمقاء ، فقام باحتضاني واعتذر مني.

فتمالكتُ نفسي ثم قلت : دعنا نتحاور ؛ إنَّ النقود التي سأجنيها ، سأصرفها على المنزل ،

وبهذا سيخف التوتر ، أو قم بزيادة المصروف أنت.

أولاً المصروف لن أزيده ، وبما أنك تريدين الحوار ، فلك ما أردت ، تقولين أنك تريدين العمل ،

وبشهادتك هذه أحسن عمل سأوافق عليه هو أن تكوني مُدَرّسة بحضانة ، وبالتالي لن يعود عليك ذلك العمل سوى ببضعة جنيهات.

اتسعت حدقتا عينيَّ من الدهشة : ومن قال أني لا أستطيع العمل سوى بحضانة ، أستطيع أن أتوظف بشركة أو أعمل مُحاسِبة بمصنع.

ومن قال لكِ أنَّ الوظائف متاحة لمن هبَّ ودَب عزيزتي ، الناس يشتهون فرصة عمل بلا جدوى ،

ولنفترض أنك وجدتِ ، فأنا لن أسمح لكِ بالعمل بين الرجال.

نظرت له بصدمة عارمة : من الصادم أن يخرج هذا الكلام من رجل مثقف مثلك.

لا علاقة للثقافة بهذه الأمور ، فالحياة أصبحت كوادي الذئاب ، وأنتِ فتاة صغيرة جميلة جدا ،

ولن أستطيع أن أشعر بالاطمئنان عليكِ إن ذهبت للعمل وسط الوحوش المفترسة.

شعرتُ أني أُصبْتُ بالخَرَس فجأة وعاد نفس الضيق الذي شعرت به لقلبي ، وأيقنتُ أنَّ لا فائدة من النقاش معه ،

فخرجتُ إلى الصالة وأشعلتُ التلفاز ، وأثناء تفكيري بطريقة لإقناعه ، استبعدْتُ أهلي ،

كوني أعلم أنهم لن يقفوا معي بأمر ربما يجلب الطلاق والعار لهم.

إقرأ أيضا: يحدث ليلا في شقة الطلبة الجزء الأول

لم أجد الحل سوى بأمه التي رحَّبَت بالفكرة وانفرجت أساريرها ولم تفارقها البسمة لحين أيَّدَت فكرتي أمامه ، فتعالى صراخه قائلا :

تريدون أن تخربوا بيتي وتقومون بتحريض زوجتي ضدي.

شعرتُ بتلك اللحظة وكأني تزوَّجتُ رجلاً لم يدخل المدرسة قط ، ولم يُعاشر بشراً بحياته ،

1 3 4 10 1 3 4 10

وكأنَّ حياته أمضاها بالغابة مع الحيوانات التي لا تعي الفهم.

خرجت أمه وقالت لي : اعذريني يا ابنتي ، اعتقدنا أنَّ زواجه سوف يُغيّر العقل الصخري الذي بين أكتافه ،

لكن توقعنا كان خاطئا ، سامحيني يا ابنتي.

التزمتُ الصمتَ وكم تمنيتُ أن أرشُقَ الكلمات بوجهها ، وأنا أقولها في قرارة نفسي :

أي تربية هذه التي ربيتيها لابنك ، وأي حليب أرضعتيه؟!

هل تركتيه يسرح مع الماعز والأغنام ، واكتفيتِ برعاية ابنكِ الصغير؟!

انسحبتُ لغرفتي قبل أن أُخْطِئ بكلمة ، وأُسَبب لها جلطة قلبية بعد كلام ابنها.

عشتُ بأزمة نفسية لأسابيع وأصبحتُ أراه شيطان ، لا أحتمل منه كلمة ولا همسة ،

وكلما أراد أن يقترب مني أنتفض مذعورة وكأنه يريد قتلي ، مما يجعله ينتفض بوجهي غاضباً ويقول :

أيُّ نصيبٍ أسودٍ جمعني بكِ.

فأذهب إلى غرفة أخرى أو إلى الشرفة وأبكي بصمت لدرجة أشعر بها أنَّ قلبي يؤلمني.

إلى أن حصل ما ضاعف أزمتي النفسية أضعاف.

انسكبَ الماء على الطاولة بغرفتي دون قصدي ، ومع أني مسحتُ الماء لكني لم أنتبه أنه لا يزال هناك القليل ،

فوضعتُ هاتفي المحمول فوق الماء بدون أن أنتبه وعدت إلى غرفتي بعد ساعة لأجد الهاتف لا يعمل ،

شعرتُ بالحزن الشديد كوني على يقين بأنه لن يشتري لي واحداً بسهولة ، وكان توقعي صائبا.

فعندما عاد في المساء ورأى هاتفي قد احترق ، كاد أن يقفز فرحا ، وهو يتفَحَّصُهُ لدرجة أنه قال بصوت بالكاد استطَعْتُ سماعه :

الآن لن يقوم أحد بتحريضها ضدي.

إقرأ أيضا: اليوم يوم زفافي

كاد قلبي أن يتوقف من شدة الألم ، فقلت له بنبرة حادة : أريد هاتفاً جديدا.

نظر لي بطرف عينه : لو كنتُ أملك نقوداً كنت زوَّدْتُ المصروف لأمي.

تعالى صراخي حينها وقمت بتكسير كل ما رأته عيناي وأنا أقول : طلقني ، طلقني أيها البخيل.

فقام بصفعي فوقعتُ أرضاً وتعالى بكائي وصراخي ، مما جعل أمه تقتحم الغرفة وتقف بيننا وهي تحاول أن تُهدئ الوضع.

فلم أجد من نفسي سوى أني هرولتُ ووضعت بضع قطع من ملابسي بحقيبة صغيرة وخرجتُ من الغرفة وأنا أقول :

أرسل ورقة طلاقي لمنزل أهلي.

فصرخ قائلا : لكِ ما أردتِ يا قليلة الأدب والتربية.

ما إن دخلتُ لمنزل أهلي حتى سمعتُ والدي يتحدث معه قائلا : اهدأ يا بُنَيّ ، فبعد أن ترتاح سأُعيدها لك.

كانت أول مرة أرفع صوتي بوجه أبي وأنا أقول : ومن قال لك بأني سأعود لذلك البخيل المتخلف العقلي؟!

كاد أن يضربني هو الآخر لولا أن رأى أصابعاً مرسومة على خدّي وعيناي منتفختان من البكاء ،

فقال لي بذعر : ماذا حدث ؟!

قَصَصْتُ له كل شيء ، فَشُلَّ لسانه عن الحركة لدقائق ثم قال :

لو الأمر هكذا ، سأشتري واحداً لكِ وانتهى الأمر.

بحقكَ أبي ، مشكلتي الكبرى هي بخله وليس الهاتف ، وما نفع أن تشتريه أنت وأمام الناس أنا على عِصْمَةِ رجل؟!

ابنتي سندعه بضعة أيام يفكر ، وإن أصرَّ ألا يُحْضِرَهُ لكِ ، سأشتريه أنا وننهي الخلاف.

مضت بضعة أيام وأنا ألعن حظي ، اتصل بأبي ففتح مكبر الصوت : ماذا حصل معك يا أبي ؟!

هل استطعتَ إقناعها للرجوع أم أنها مُصِرَّة على الطلاق؟!

أيُّ طلاق يا بني؟! ، زوجتكَ تريد هاتفاً جديداً عوضاً عن الذي احترق لا أكثر.

من أينَ سأحضر النقود ، لا نقود معي.
اشتري أرخصَ هاتفٍ في السوق ، لا يتعدَّى الألف والأربعمئة جنيه.

إقرأ أيضا: لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الثالث

لا أملك نصفهم ، فالداخل يُساوي المصروف.

أشعلَتْ تلك الجملة شرار الغضب داخلي ، فأخذتُ الهاتف من يدي أبي وقلت :

وهل تصرف على المنزل أصلاً أيها البخيل.

صدقيني إن قلتيها مرة ثالثة سأطلقك.

وقبل أن أقولها ، أمسك أبي الهاتف من يدي وأغلق الاتصال ، ثم طلب مني الذهاب إلى غرفتي.

لم يتمَّ أي تواصل بيننا بضعة أيام أخرى ، زادَتْ سخطي على قدري ،

لحين أتَتْ أمه لزيارتي ومعها عرضٌ وجملة من ابنها.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?