لو أحببت مرة ثانية ستبقى تحبني
طوال فترة خطبتنا كنت أتشاجر معها على أتفه الأسباب ، فنتخاصم أياما ، كل واحد منا يبقى مصرا أنه على حق ،
وعندما تطول مدة خصامنا ، كنت أبادر أنا بمصالحتها ، فتعود مرة أخرى لنفس النقاش ، ومحاولة إثبات أنها على صواب.
ولأني كنت أخشى أن نتخاصم مرة أخرى ، كنت أقول لها :
صدقتِ ، فعلا أنتِ على حق ، كيف ذهب عن بالي ذلك التفصيل !
فتردّ قائلة : لكي تعرف من هي حبيبتك ، وصدقني لن تجد فتاة تحبها أكثر مني ، فلو أحببتَ مرة ثانية ، ستبقى تحبني.
فأقول لها ضاحكا :
أكيد طبعاً.
فعلاً كنت أحبها وأقول دوما أني لن أستطيع أن أحب فتاة مثلما أحببتها ، فكما يقال :
كلما زادَتْ مشاكلك مع من تحب ، فاعلم أن حبكما وصل لحد الجنون.
كان عيبي التاسع والتسعون كما كانت تقول ، هو أنني غيور ، كنت أغار عليها حتى من الفتيات ،
مما جعل رؤيتها تتحدث مع شاب غيري ، تُشعِلُ براكين الغضب داخلي.
ولأنَّها فتاة جميلة وبشوشة ، كنت أشعر أن شباب الجامعة يغتنمون فرصة غيابي عنها عند حضوري محاضرات آخر سنة لي في الجامعة.
كنت أغض النظر مرارا وأكتفي بسحبها من يدها وأُحَذِّرُ زميلها من محادثتها مرة أخرى ،
مما يجعلها تستشيظ غضباً ، وتحذرني تحذيراً تلو الآخر بأن لا أعيد ما فعلت ، لكن غيرتي عليها كانت عمياء.
لحين ظهر شاب كنت أشعر أنه معجب بها ، فقد تعمد دوما الوقوف معها والضحك ،
فحذرته مرارا وتكرارا أن يبتعد عنها لكن بلا جدوى ، وذات مرة كالمعتاد ، سحبتها من يدها ،
إقرأ أيضا: يحكى أن إمرأة رأت أن الحياة مع زوجها وصلت إلى طريق مسدود
وطلبت منها أن تسبقني إلى الباب كي أضيف تحذيرا آخرا له ، وحينها قال لي بابتسامة ثعلب :
أنتَ لا تثق بنفسك ، وتخشى أن تصبح خطيبتك ملكي يوما ما ، وإن بقيتَ هكذا ستصبح لي.
لم أشعر بشيء سوى أن الشباب يسحبوني من فوقه ، وأنا أُحكِمُ قبضَتي حول رقبته.
تم إستدعائنا من قبل عميد الكلية ، ومع شرحي له ما حصل ، لم يقتنع بالسبب ، بل أعطاني إنذاراً أخيراً ،
وإلا بعدها سيتم فصلي من الجامعة بعد أن يُسَلّمني للشرطة بيده.
بعد أن أمضيت على تعهد بعدم التعرض ، واحتفظَ به العميد عنده ، تجوَّلْتُ في الشوارع وأنا أفكر كيف سأصالحها.
عدتُ في المساء ، فوجدْتُ خاتمها مع كل أغراضها على سريري ، وأثناء وقوفي كتمثال مُحَنَّط ،
دخلَتْ أمي وأخبرَتني بأنها فسخت الخطوبة.
شعرتُ حينها بدقات قلبي تتباطأ ، إتصلتُ بها مراراً وتكراراً ، لكن هاتفها كان مغلقاً ، إنتَظَرْتُها في الجامعة أياماً ولم تأتي ،
فتفاجأتُ بعد أسبوع أنها أتت وبيدها خاتم خطوبة ، تمزَّق قلبي لأشلاء ، إختليتُ بزاوية جلستُ أبكي بها بعيدا عن الأنظار.
مضى أسبوعان ، خرجت بهما مع زميلةٍ لي ، أنتظرُ أنْ تخلع خاتمها وتهرول نحوي ، وتدفع زميلتي أرضا ، كما فعلت ، لكنها لم تُحَرِّك ساكناً.
بعد أن شعرت باليأس منها ، شعرتُ بالإنجذاب نحو زميلتي ، فقد وصَلَت آراءها لحد التطابق مع آرائي ، فعرضتُ عليها الزواج.
شعرتُ تدريجياً بأني أحببتها ، فطوال فترة الخطوبة لم نتخاصم قط ، فقد تجنَّبَتْ كل ما يزعجني ،
حتى إلقاء التحية على زملائها الشباب ، وعدم رد التحية إن ألقاها أحد عليها.
تزوجتها بعد تخرجي بأيام ، لكن حبيبتي الأولى بقيت غصة بقلبي ، فبقيتُ عالقاً بالماضي ،
أتذكًَر كل تفصيل عشته معها ، وأحياناً أتخيلها تشاركني حاضري.
فعلا إستمر حبي لها مع أني أحب زوجتي ، وحينها تذَكَّرْتُ جملتها : لو أحبَبْتَ مرة ثانية ستبقى تحبني.