ما معنى قول النبي لا تصلوا في معاطن الإبل فإنها خلقت من الجن ؟
فقد ذكر الله تعالى هذه الآية : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ[الغاشية:17]
في سياق التنبيه منه جل ثناؤه على عظيم مخلوقاته ، لإثبات قدرته ، ووجوب توحيده وعبادته وطاعته.
وقد ذكر المفسرون شيئا من الحكمة في التنصيص عليها دون سائر الحيوانات.
فقد قال القرطبي في تفسيره عن الحيوان : بأن ضروبه أربعة : حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة ، والإبل تجمع هذه الصفات الأربع.
وقد ذكر أيضا من صفاتها أنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضعيف ،
حيث يأخذ الصغير بزمامها فيذهب بها حيث شاء. وأنها تتحمل العطش لمدة طويلة ،وأن مرعاها ميسر ،
وأنها أصبر على الكدح وسوء الأحوال إلى غير ذلك من الصفات ، وقد صدق من سماها
بسفينة الصحراء.
هل الإبل خُلقت من الشياطين؟
وبخصوص خلق الإبل من شياطين جاء في الحديث المروي عن أبي هريرة في صحيح الجامع عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
إن لَم تجِدوا إلَّا مَرابضَ الغنَمِ وأَعطانَ الإبلِ ، فصلُّوا في مَرابِضِ الغنمِ ، ولا تُصلُّوا في أعطانِ الإبلِ ؛ فإنَّها خُلِقَتْ من الشَّياطينِ.
وقيل : إن الإبل خلقت من الشياطين ، كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة (769)
، وأحمد (20541) وانظر سنن أبي داود (493)
وليس معناه أن مادة خلقها من الشياطين ، ولكن من طبيعتها الشيطنة ، فهو كقوله تعالى خلق الإنسان من عجل. [الأنبياء: 21]
إقرأ أيضا: كان في زمن سيدنا موسى عليه السلام رجل لا يستقيم على التوبة
من جانبه ، قال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف ،
إن هناك أماكن منهي عن الصلاة فيها مثل أعطان الإبل لما فيها من نجاسات شأنها شأن المقابر والحمامات ،
أي مكان به نجاسة نهى النبي صل الله عليه وسلم عن الصلاة فيه ،
فمعاطن الإبل مكان النجاسات والصلاة في المقبرة لا تجوز ، وفي الحمام لا تجوز.
وبخصوص مسألة خلق الإبل من الشياطين ، أوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش ، أن هذا الموضوع به ضعف لأن الله تعالى قال :
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور 45].
وتابع الأطرش : هذا نصا قرآنيًا لا جدال فيه بأن كل دابة خلقت من ماء.
مَبارِك وأعطان الإبل
وبالعودة للحديث الشريف الذي ينهى عن الصلاة في أعطان الإبل ،
فقد ورد في تفسيره أنه قد علَّمَنا النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الصَّلاةِ ، وسُنَنَها وآدابَها ،
وكلَّ ما يَتعلَّقُ بكَيفيَّتِها ، والأماكنِ الَّتي تَصِحُّ الصَّلاةُ فيها ، أو لا تَصِحُّ.
ووفقا لتفسير الحديث : يقولُ النَّبيُّ صل الله عليه وسلم : «إنْ لم تَجِدوا» ، أي: إنْ لم تَجِدوا مكانًا، «إلَّا مَرابضَ الغَنَمِ» ،
وهو مَأْوَى الغنَمِ ، ومَوضِعُ إقامتِها ومَبيتِها للإستراحةِ، «وأعطانَ الإبلِ» ،
وهو مَبْرَكُ ومكانُ نُزولِ الإبل حولَ الماءِ ، والمعنى : مَن أرادَ الصَّلاةَ ولَم يَجِدْ إلَّا أماكنَ مَبيتِ ورَاحةِ الغَنَمِ أو الإبلِ ، «فصَلُّوا في مَرابضِ الغَنَمِ».
إقرأ أيضا: قصة عمر بن عبد العزيز والشمعة
وفي رِوايةِ أبي داودَ مِن حديثِ البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه : «صَلُّوا فيها؛ فإنَّها بَرَكَةٌ» ،
وهذه رُخْصةٌ مِن النبي صل الله عليه وسلم بالصَّلاةِ في أماكِنِ تَجمُّعِ الغَنَمِ ؛
لأنَّها مَأْمونةُ الجانبِ ، ولا تُؤذي أَحَدًا، وفيها بَركة ؛ مِن حيثُ هُدوؤُها ولِينُ جانبِها ، وقِلَّةُ حرَكتِها.
ولا تُصَلُّوا في أعطانِ الإبلِ ؛ فإنَّها خُلِقَتْ مِن الشَّياطينِ ،
قيل : إنَّها خُلِقتْ مِن جِنسٍ خُلِقتْ منه الشياطينُ ،
وقيل : إنَّ منها جِنسًا توالَدَ مِن نَعَمِ الجِنِّ ثم اختلَط هذا الجِنسُ بنَعَمِ الإنسِ ،
وقيل: يجوزُ أنَّها خُلِقتْ في أصلِها من نارٍ كما خُلِقتِ الجنُّ من نار ،
ثم توالدت كما توالدتِ الجن ، وقيل : نُسِبتِ الإبل إلى الشياطين لِما في أخلاقِها وطَبائِعها تُشبِهُ الشياطينَ كتوحُّشِ حركتِها ونُفرتِها ،
والعربُ تسمى كلَّ ماردٍ شيطانا ، وهذا نَهْيٌ صَريحٌ عن الصَّلاةِ في أماكن نَومِ الإبلِ.