إسلام

مصعب بن عمير (مصعب الخير)

مصعب بن عمير (مصعب الخير)

مصعب بن عمير شاب من أكثر شباب قريش رقة ووداعة وثراء ، نشأ منعما في ظل والديه ، في بيت يزخر بالفاخر من الثياب ،

والنادر من العطور ، زينة فتيان قريش ، ودرة مجالسه ، تنقلب حياته فجأة ، فإذا به يرضى بشظف العيش ،

ويلبس الجلد الخشن من الثياب! فما الذي غيره وحوله هذا التحول العظيم؟ بهذا الرضا التام؟

إنه الإسلام ، ذلك الدين الذي ما إن لامس قلب الشاب الغض اليافع ، حتى وجد لديه قبولا سريعا ،

ذلك أنه منذ صغره لم يحمل للإسلام ذرة كراهية ، وما نشأ ناقما عليه ، بل على العكس ، سعى إليه في يسر ،

واستمع إلى رسوله المصطفى صل الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وسرعان ما أعلن نفسه واحدا من بين المسلمين.

إنه مصعب الخير (كما سماه رسول الله) أو (مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف) كما تثبته كتب التاريخ ،

قال عنه رسول الله ، فيما رواه عرم ، قال نظر النبي إلى مصعب بن عمير ، وعليه إهاب جلد من كبش ، قد تمنطق به ،

فقال : أنظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه ، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب ،

ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون.

موقف أم مصعب بن عمير من إسلامه

كان مصعب وحيد أمه المدلل ، فحرص على إخفاء إسلامه عنها ، حتى لا يضايقها ، لما يعلم من حبها إياه ،

ولكن الرياح أتت له بما لا يشتهي ، إذ سرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين ، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله ،

حتى يرجع عن دينه ، ولكنه إستطاع أن يهرب من الحبس ، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة.

عن ليلى بنت أبي حثمة قالت لما إجتمعوا على الخروج أي إلى الحبشة ، جاءنا رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال :

إن مصعب بن عمير (الخير) قد حبسته أمه وهو يريد الخروج الليلة فإذا رقدوا قال عامر بن ربيعة :

إقرأ أيضا: قصة حقيقية وحقائق معظم الناس لا يعلمونها

فنحن ننتظره ولا نغلق بابا دونه فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظل يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللاً ووعدناه فلحقه فيه وأدركناه فاصطحبناه قال :

وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا ، وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ،

ولقد رأيت رجليه يقطران دما من الرقة فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاها ،

1 3 4 10 1 3 4 10

حتى إنتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها جاءت من مور فتكارينا إلى مور ،

ثم تكارينا من مور إلى الحبشة.

ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينار.

هاجر مصعب بن عمير الهجرتين

وهاجر هجرة الحبشة الثانية ، وما إن عاد إلى مكة حتى كان رسول الله يعده لمهمة هامة وجليلة ،

وهي أن يكون رسول رسول الله ، إلى معقل الإسلام الأول : إلى المدينة المنورة.

مهمة عظيمة وجليلة كلف بها مصعب بن عمير فهو يعتبر أول سفير في الإسلام.

قام مصعب بمهمته على أكمل وجه وكيف لا وهو إختيار رسول الله صل الله عليه وسلم
ثم عاد مصعب إلى رسول الله ،

يحمل له البشرى في مكة ، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه يا عاق أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي ، فقال :

ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله ، فلما سلم على رسول الله وأخبره بما أخبره ذهب إلى أمه ، فقالت :

إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد ، قال : أنا على دين رسول الله وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله.

قالت : ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب ، فقال : أقر بديني إن تفتنوني ، فأرادت حبسه ،

فقال : لئن أنت حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي ، قالت : فاذهب لشأنك ، وجعلت تبكي.

إقرأ أيضا: كان راعي غنم عند سيدنا سليمان بن داوود يرعى الغنم

فقال مصعب : يا أمة إني لك ناصح عليك شفيق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.

قالت : والثواقب لا أدخل في دينك ، فيزري برأيي ويضعف عقلي ، ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني.

وهكذا أتيح له هو الوحيد في مهمته تلك شرف أن يسلم على يده عدد كبير من الأنصار ، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب.

مصعب بن عمير أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة

عن الزهري قال : بعث رسول الله مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن فاستأذن رسول الله أن يجمع بهم ،

فأذن له رسول الله وليس يومئذ بأمير ، ولكنه إنطلق يعلم أهل المدينة ، قال معمر : فكان الزهري يقول :

حيث ما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ويصلي بهم ركعتين.

شهد مصعب بن عمير بدرا واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أحد

حمل مصعب لواء المسلمين في أحد ، في الطبقات لابن سعد عن أهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال :

حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ،

ومصعب يقول : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ،

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول :

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء ، وسقط شهيدا رضي الله عنه وأرضاه.

عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام وكان صائما فقال:

قتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وأراه قال :

إقرأ أيضا: سيدنا عمرو ابن العاص حين فتح مصر أراد أن يبني مسجدا

وقتل حمزة وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال :

أعطينا من الدنيا ما أعطينا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

قتل يوم أحد على رأس إثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا.

المصدر :
سير أعلام النبلاء
الطبقات الكبرى لابن سعد
الإصابة في تمييز الصحابة
حلية الأولياء لأبي نعيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?