مقالات منوعة

من إبن إلى أبيه

من إبن إلى أبيه
بعنوان : إبنك الذي نسيته وأهملته.

ترددت في كتابة هذا الكلام ، واحترت كثيرا. وما ذلك إلا لعظيم قدرك عندي وكبير إحترامي لك ، ولكن لابد منه الآن قبل فوات الآوان.

أبي أعلم أنك فرحت كثيرا حين ولدتني أمي وأبصرت عيناك عيني ،

وكدت تطير من شدة السرور ، فاشتريت لي لباسا وحليبا وأغراضا كثيرة.

ثم ربيتني أحسن تربية وعودتني على كريم الأخلاق ، ونبيل الصفات ، فجزاك ربي عني خير ما جزى والدا عن ولده ،

ورفع قدرك في الدنيا والآخرة ، وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة ، آمين .

ولكن يا أبت سرعان ما زال ذلك كله فلم تعد كما كنت!

لم تعد تسأل عني في المدرسة! ولا تعرف من رفاقي!

ولا تدري إلى أين أذهب ومتى أعود ؟ ولم تعد تذاكر لي وتقرأ سجلي كما كنت تفعل سابقا.

أبي السائق يتأخر كثيرا وأبقى وحيدا عند باب المدرسة وأنت لا تدري ، بعض الدروس لا أفهمها ،

وبعض الواجبات لا أقدر على حلها ، فأعاقب عليها لأني لم أجد من يتابعني ويعينني ويشرح لي ، وأنت لا تدري.

أبي يعاتبني المعلمون : لماذا لا تذاكر وتراجع في بيتكم ؟ أين أبوك ؟! ولماذا لا يتابعك ويذاكر لك ويوقع على سجلك ؟

فأشعر وكأنهم يجرحونني من الداخل
وشوكا قاسيا! وأنت لا تدري.

أبي كلمة حلوة ٌجميلة ، ولكنه مشغول عني.

يعاتبني المدير : لماذا هذا التأخر الصباحي ؟

إقرأ أيضا: علميني يا أمي – علمني يا أبي

لماذا لا تحضر الطابور مع زملائك ؟ أين أبوك ؟ لابد أن يحضر إلينا ، خذ هذه الورقة أعطها إياه ، وأنت لا تدري.

أبي كلمة حلوة ٌ جميلة ، ولكنه مشغول عني.

ربما لا يعرف بأي صف أدرس! بل ولا يدري بأي مرحلة! وربما لا يذكر بأي مدرسة أدرس ؟

أبي زميلي خالد يقول : بالأمس راجعت الكتاب كاملا مع أبي ، يسألني وأسأله ،

فأتألم جدا وأضطر لأن أكذب فأقول : وأنا كذلك راجعته مع والدي صفحة صفحة!

1 3 4 10 1 3 4 10

كل هذا من أجل أن لا يخدش أحدهم صورتك ، أو يهين كرامتك ، أو يسخر بك أمامي.

نعم أكذب لأني أحبك ، ولأنني أريد أن يكون أبي أفضل أب.

نعم يا أبي ، فهل تعلم بهذا كله ؟ أين أنت عني ؟ قد بحّ صوتي ، طوال هذه الأيام والشهور والأعوام!

أبي أنا لا أريد أبا يطعمني ويسقيني ويلبسني فقط ، بل أريد أبا يصاحبني ، ويصادقني ،

ويحمل همي ، يكون أبا ورفيقا وزميلا وأستاذا وقدوة ومستشارا.

أبي ثق تمام الثقة أنني لو كنت أريد الضياع والخراب والمتعة والراحة فلن أتعب في البحث عنها ،

لأني لن أجد أفضل من هذا المناخ الذي وفرته لي أنت!

فرفاق السوء يحيطون بي من كل جهة ، والأموال في جيبي.

وفي غرفتي كل ما أريد من وسائل اللهو وأدوات الفساد ، وبابها مقفل.

فلا رقيب ولا حسيب ، ولكنني أخاف الله.

وأحب أن أرفع رأسك عاليا ، أحب أن تفتخر بي غدا أريد أن أكون إبنا بارا وعبدا صالحا.

أبي لا أريد أن أعصيك أو أعقك ، ولكنك تضطرني لذلك أحيانا وتجبرني عليه بسوء معاملتك لي ،

وضربك إياي ، ورفع صوتك علي ، وكأني طفل صغير تهملني ثم تعاقبني ، تغيب عني وتحاسبني ، تقسو علي ولا ترحمني!

أبي هل وصلتك الرسالة ؟ أدركني قبل أن أغرق ، أنقذني قبل أن أهلك ، خذ بيدي قبل أن يأخذ بها غيرك ،

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?