قصص منوعة

من يصلح الملح إذا الملح فسد!

من يصلح الملح إذا الملح فسد!

تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وأدب وأخلاق ودين ، ومضى عام على زواجه ،

ونشبت بينه وبين أحد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة ، فقتله ، ورحل مع زوجته بعيدا عن الديرة كما تقتضيه الأعراف القبلية ،

وتوجه إلى قبيلة ثانية ، وكان صاحبنا دائم الجلوس عند الشيخ في مجلسه مثله مثل رجال القبيلة للسمر وتدارس مختلف الأمور.

وفي أحد الايام مر الشيخ من أمام بيت صاحبنا ، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها ، واستولت على لبه وعقله ،

وخطرت له فكره شيطانية ، وهي أن يبعد الزوج عن البيت ، لينفرد بالزوجة ، ويقضي منها وطرا.

فعاد إلى مجلسه ، وكان عامرا بالرجال ومن بينهم صاحبنا ،

فقال : ربعي ! علمت أن الديرة الفلانية فيها ربيع ما مثله!

وأريد أن أرسل إليها أربعة رجال يرودونها ، ويتأكدون من الربيع فيها ، واختار أربعة من الرجال ومن بينهم زوج المرأة الجميلة ،

فسار الأربعة بكل طيب خاطر ، والمكان الذي ذكره يستغرق ثلاث أيام ذهاب الفرسان وإيابهم ،

وعندما جاء الليل وانتظر إلى أن تنام الناس ، سار إلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأة وحيدة ، وكانت نائمة ،

وقبل أن يصل إرتطم في العامود وأحدث صوتا مرعبا لها ، أفاقت المرأة على الصوت.

صاحت : من بالبيت ؟!
الشيخ : أنا فلان شيخ العرب اللي أنتم نازلين عنده!

البدوية : حياك الله ! وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت؟!

الشيخ أذهلني جمالك عندما رأيتك ، وسلبت عقلي وقلبي مني ، وأريد قربك ووصالك!

البدوية : لا مانع عندي ! بشرط ، عندي لغز ، إذا حليته أكون لك كما تريد!

الشيخ : أشرطي وتشرَّطي ، وجميع شروطك مجابة!

البدوية : حتى لا يجيف اللحم ( أي يتحول إلى جيفة ) يرشون عليه الملح!

فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

ولك أن تستعين بمن تريد ، فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد!

1 3 4 10 1 3 4 10

الشيخ : أنصفتِ ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة !

إقرأ أيضا: يوم مشؤوم أغبر ليس فيه نور!

ذهب الشيخ إلى بيته بخفي حنين ، وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة ،

وثاني يوم وكانوا الرجال جالسين في مجلسه.

سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجأة : حتى لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح ! من يُصلِحُ الملح إذا الملح فسد؟!

وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه ، فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم ،

وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة والحكمة والعلم والأدب والدين موجودا ً في المجلس ،

لكنه لم يقل شيئا ، وانصرف جميع من في المجلس إلا هو لم ينصرف ، فقد بقي في المجلس.

فصاح الشيخ في وجهه : أنت ما جاوبت على سؤالي!

قال له الرجل : أردت أن أكلمك على إنفراد ! فأصل اللغز بيت من الشعر قاله أمير أهل الحديث وهو أبو سفيان الثوري ، وبيت الشعر هو :

يا رجال العلم يا ملح البلد من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

وإن لم يخب ظني فإنك راودت إمرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدين والأدب عن نفسها ،

فأرادت أن تصدك ولا تفضحك ، وأن تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك ،

وتحفظ بعلها إن غاب وإن حضر ، وقد قالت لك ما قالت ، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن سمعك :

يا شيوخ العُرب يا ملح البلد من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!

فهي تقصد : إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملح اللحم فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد؟

وكأن هذه الإجابة أيقظت ضميره النائم ، وقلبه الهائم ، وعقله الظالم ، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء ،

وملأه الندم على ما كان منه المكائد والمفاسد!

وقال : أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل ! فاستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?