مواقف صغيرة لكنها كبيرة!
مواقف صغيرة لكنها كبيرة!
روى الخطيب في تاريخ بغداد ، وابنُ عساكر في تاريخ دمشق ، والمزيُّ في الكمال :
أنَّ الأصمعيَّ قال : كنتُ عند الرشيد يوما ، فرُفِعَتْ إليه شكوى في قاضٍ قد استعمله يُقال له عافية.
فاستدعى الرشيدُ عافية القاضي ، وكان في المجلس خلقٌ كثير ، وجعلَ الرشيدُ يُخاطبه ، ويعرضُ عليه ما رُفع إليه بشأنه ،
فطالَ المجلسُ، فعطس الرشيدُ ، فشمَّته كل من كان في المجلس ، إلا عافية القاضي!
فقال له الرشيد : ما لكَ لم تُشمِّتني كما فعل القوم؟
فقال له : لأنكَ لم تحمد الله يا أمير المؤمنين!
هذا النبيُّ صل الله عليه وسلم عطسَ عنده رجلان ، فشمَّتَ أحدهما ولم يُشمِّتْ الآخر!
فقال له : يا رسول الله ، ما لكَ شمَّتَ فلاناً ولم تُشمتني؟
فَقال : “إنَّ هذا حمدَ الله ، فشمتناه ، وأنتَ لم تحمده ، فلم أُشمِّتكَ”!
فقال له الرشيد : اِرجعْ إلى عملك ، إنك لم تسامح في عطسة ، حتى تسامح في غيرها!
لا تحتاج إلى أن تُقيم في أعماق الناس لتعرف حقيقتهم ، الناس يُخرجون ما في أعماقهم في كل موقف!
الطريقة التي يُعاملُ بها الإنسان من تحته تخبركَ بمنظومة القيم التي يحملها ، وبالتربية التي تلقاها ،
وأخلاقنا الحقيقية تظهرُ مع البواب المسكين ، والبائع المتجول ، وعامل النظافة ، والخادمة في البيت!
مع الوزراء والرؤساء والمدراء الجميع مؤدَّبون!
أخلاق الناس الحقيقية تظهر في مواقف الغضب ، ففي ساعات الرضى كل الناس سواسية ،
لهذا كانت العرب تقول : من أغضَبْتَه فلم يَضرك فاتخذه صاحباً!
أخلاق الأزواج والزوجات لا تظهر في غرف النوم وإنما في مناكب الحياة ، عندما يقع الخلاف ،
وعندما لا يكفي الرّاتب ، وعندما يحتاج الموقف إلى التعامل بالمعروف لا بقانون الحق والواجب!
إقرأ أيضا: الشماتة
نحن مدينون للخلافات أحياناً لأنها ترينا قيمتنا عند الآخرين ، وتُري الآخرين قيمتهم عندنا أيضاً!
أخلاقُكَ الحقيقية لا تظهر في المسجد ، الكل هناك أتقياء ،
أخلاقُكَ الحقيقية تظهر في دكانكَ ، ومتجرك ، ووظيفتك ، وعيادتكَ ، وورشتكَ!
رُقيُّكَ ليس في صورة كتاب وفنجان قهوة ، وإنما في الطريقة التي تترك بها الحديقة العامة بعد أن جلستَ فيها ،
وفي قارورة الماء الفارغة ، والورقة التي ترميها من نافذة السيارة أو تحتفظ بها!
المواقف الصغيرة تُخبركَ عن الأشياء الكبيرة ، فافهَمْ!