موحا والوسادة العجيبة
كان ياما كان في قديم الزمان ، لا يحلو الكلام إلا بذكر العزيز الرحمن قديما في أرض المغرب الأقصى ، حيث العجائب والغرائب لا تعد ولا تحصى ،
وفي مدينة في الجنوب إسمها رودانة عاش ولد يتيم اسمه موحا ، في بيت صغير من طين.
وكان من قبل يعيش في بيت فاره يأسر العين ، لكن كسله وخموله جعله يبيع أثاث البيت قطعة قطعة ،
ولم يُبقِ فيه كأسا ولا شمعة إلا سريرا ووسادة لأنه والنوم صديقان لا يفترقان.
وكان والده قد أخبره قبل موته بأن الوسادة عجيبة ، لكنه لم يخبره ما العجب أما موحا فلم يهتم بذلك ، ولا بما كان يقصد أبوه.
ومع الأيام ، اشتد الحال على موحا ولم يجد شيئا يبيعه ففكر في بيع السرير والوسادة وقال :
إذا بعت السرير والوسادة فماذا أبيع بعدهما؟
(حقا ماذا يبيع يا سادة بعد السرير والوسادة؟
ولكن ما رأيكم يا صغاري أن موحا قد اهتدى للحل ولعل الحل يرضيكم ! )
العمل نعم العمل.
خرج موحا للعمل لأول مرة في حياته نعم لأن العمل لم يكن من صفاته.
خرج مع جار له يعمل مرمما ليساعده في عمله ويتعلم منه الحرفة ، وقضى معه نهارَه ، يجول هنا وهناك إلى أن دعاهما رجل ليصلحا له دارَه.
فاشتغل طوال النهار ثم عاد إلى الدار ، جوعان ، تعب ونعسان ، فاستلقى على سريره بعدما شكر الرحمن ،
وغط في نوم عميق لا يسمع له شخير ولا شهيق ، ولأنه كان جوعانا فقد رأى في منامه بستانا ،
زينته ألوان الثمار وتوسطته مائدة طويلة تضيئها قناديل جميلة ، وعليها أطباق عديدة ،
لحم مشوي وأصناف جديدة فأكل حتى شبع وشرب حتى ارتوى واستلقى وسط البستان.
في الصباح ، استيقظ موحا وانتبه ، ففي فمه قضمة وفي يده عظمة ، وشعر بثقل وتخمة.
فحار في أمره ، لكنه تذكر قول أبيه عن الوسادة وأدرك السر.
وفهم أن الوسادة ستجود عليه بما اشتهى إن عمل بجد في نهاره ولو تلميذا لجاره.
إقرأ أيضا: كل مساء وفي الحادية عشرة تماما تأتيني تلك الرسالة
فخرج إلى العمل فرحا مسرورا وظل يطوف الدروب طوال النهار وحده بحثا عن دار ترمم ، فناداه شيخ مسن معمم ، حتى يصلح له داره ،
فلما دخل البيت وجده بيتا خربا مشقلبا مضطربا ووجد أمامه غرفة ، فقال الشيخ :
للغرفة دعوتك ، السرير تهشم والحائط تهدم.
لم يفهم موحا كلامه ودخل الغرفة.
رأى موحا فتاة وقد انكفأ سريرها ، وكانت توليه ظهرها فاقترب ونظر إليه وقال : كيف تنامين على هكذا سرير؟
الأرض خير منه بفرشة حصير.
فقال الشيخ هي ابنتي خَضْرَة وهي كسيحة – بها شلل ـ سريرها حصيرها واليوم ها هو قد انكسر. فهل تستطيع إصلاحه ؟
أم لا مفر من القدر؟
كانت خَضْرة فتاة جميلة طيبة ، وهي إبنة الشيخ الوحيدة ، لكن المسكينة ولدت كسيحة ،
تلاعب أقرانها كأنها صحيحة ، رضيت بما اختاره القدر ولم تحسد أبدا أحد.
اقترب موحا من الفتاة فإذا بها أجمل من البدر ، عيناها عسل مصفى وشعرها أسود طويل به خصلة صغيرة ،
ولولا لباسها المرقع لظنها أميرة.
فأسر موحا بجمالها رغم أنها كسيحة لا تتحرك ، ووقع في حبها فأصلح السرير ولم يأخذ عليه أجرا فشكره الشيخ ثم انصرف.
عاد موحا إلى داره محمولا على بساط من ريح ، فالفتاة الكسيحة قد شغلته بجمالها ورق قلبه لحالها ،
وتمنى لو يستطيع مساعدتها وشفاءها.
ولأنه عاد تعبا في جوف الليل فقد استلقى على سريره وغط في نوم عميق لا يسمع له شخير ولا شهيق.
ولشدة انبهاره بخضْرة فقد رآها في منامه كسيحة حزينة! تحاول الوقوف فتسقط المسكينة فتمنى لو يعرف لدائها دواء.
فرأى بين جبلين بستانا ، به ثمار وزهور وزغفران زهرة زعفرانة تشمها خضرة لتقف على قدميها وتشفى من علتها.
إقرأ أيضا: قاتلة الرجال
فرح موحا لأنه عرف الدواء لكن المكان كان بعيدا ، قد يدركه الصباح ولا يصل ، فاستيقظ بعد ما عرف الطريق.
حل يوم جديد ومع بزوغ فجره ، أسرع موحا لبيت الشيخ ليس لطلب أجره ، لكن ليسوق الخبر.
فمن شدة فرحه لم ينتظر حتى طلوع الشمس.
فرح الشيخ بالخبر وفرحت خضرة فقال : إن شفيت إبنتي فسأجعلها لك عروسا ، ومهرها دواؤها ، لا أطلب فلوسا.
وذاك ما تمنى موحا ، أن يتزوج من عروس بجمال خضرة وطيبتها.
فجلس بجانبها يحادثها وتحادثه في انتظار الليل ليعود لداره فينام ويحضر الزعفرانة.
ما إن أظلمت السماء وانقطع منها الضياء ، حتى هرول موحا لداره ، واستلقى طلبا للنوم.
لكنه شعر أن الوسادة قد خشن ثوبها وتصلبت حشوتها وأدرك أنه لم يتعب اليوم في نهاره لتجود عليه في ليله ،
وبسرعة أخذت الوسادة تتصلب وتنكمش ، ثم تبعثرت أشلاء أمامه.
فذهل موحا لما رأى وقال : ما العمل الآن ما العمل ؟ الشيخ وعدته بالدواء وسقيت خَضرة الأمل !
فحار في الأمر وبدأ يتسلل إليه اليأس والإحباط ولكنه استجمع نفسه وقرر أن يخرج بحثا عن الزعفرانة ،
فقد عرف الطريق في نومه. ولكي لا يتبعه أحد ، انسل خلسة عن قومه.
فجاز نهرا ونهرا وسهلا فسهلا إلى أن وصل إلى بستان بين جبلين فاستأذن فأُذن له.
فوجد فيه شيخا يسقي بستان الزعفران فقص عليه قصته ، فوجد أن الشيخ كان في انتظاره فقال :
إسمع يا موحا ، لو أنك جئت البستان في منامك لأخذت الزعفرانة بلا تعب ولتزوجت خضرة أيضا بلا تعب.
لكن ذلك سوف لن يدوم ، فما تكسبه بيسر تفقده بيسر.
أما الآن وقد قطعت كل هذه الطريق من أجل الزعفرانة لتُشفي خَضْرة وتصبح سعيدة فرحانة ،
فإنها بهذا ستستحقك كما أنك تستحقها.
فناوله الشيخ الزعفرانة بعدما دعا له بالتوفيق ودله على أقصر طريق.
(الراوي : هل فهم موحا الكلام يا سادة؟ وتعلم من درس الوسادة ؟) ومن لا يتعلم ، من شيخ معمم؟
إقرأ أيضا: التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الأول
عاد موحا لقريته وفرح الشيخ بطلته بعدما طالت غيبته ، واستنشقت خضرة عطر الزعفرانة فسرت الروح في أوصالها ،
وحركت أطرافها فقالت بغبطة فرحانة : أأمشي وصارت لي قدم ؟ أحق أم هذا حلم ؟
فشكرت الله بعدما تلألأت دموع الفرحة في عينيها العسليتين ووعدت موحا أن تكون له زوجة مخلصة.
أما موحا فشعر بداخله بسعادة عظيمة ، فرحة لأن خضرة وقفت على قدميها وفرحة لأنه قام بعمل كبير.
وتعلم من الوسادة أن العمل والكد هو ما يجعل لما نحصل عليه قيمة.
فعاش مع عروسه حياة سعيدة لا يُكَدر لهما صفاء ولا تُحاك لهما مكيدة.