موعد مع الموت
خرج من عيادة الطبيب يجر قدميه لا يدري إلي أين يذهب لقد نزلت عليه كلمات الطبيب كالصاعقة ،
باقي لك في الدنيا ثلاثة أشهر ، عندك ورم في المخ وهو في مرحلة متأخرة وللأسف لا يجدي العلاج أو الجراحة.
ركب سيارته وانطلق بأقصى سرعة إلى مكتب صديقه المحامي الذي يتولي الأمور القانونية لشركاته وأعماله وممتلكاته.
أخبر صديقه المحامي بما قاله الطبيب فحاول صديقه أن يهون عليه الخبر ،
وأن يبث الأمل في قلبه ، ولكنه كان في حالة لا يجدي معها الكلام أو المواساة.
طلب من صديقه المحامي أن يكتب وصية يتنازل بموجبها عن كل ثروته وممتلكاته بعد موته إلى الجمعيات الخيرية ،
على أن لا يتم تنفيذ الوصية إلا بعد موته.
وبعد أن نفذ المحامي تعليماته خرج قاصدا مكتبه الكائن في أرقى أحياء المدينة ،
وبمجرد دخوله المكتب أسرعت إليه سكرتيرته الخاصة التي تدير مكتبه ،
وفي نفس الوقت تدير حياته الليلية وتدبر له وسائل اللهو والمتعة الحرام.
طلب منها أن تستدعي مراسل المكتب على وجه السرعة.
فذهبت تنفذ تعليماته وهي في دهشة من حالته وتغيره بهذه الصورة ،
وما أن حضر المراسل طلب منه أن يقوم فورا بإلقاء كل زجاجات الخمر الموجودة بالمكتب في القمامة ،
وأن يتبع ذلك بإلقاء كل المنكرات الموجودة في منزله وأن يحضر له جلباب أبيض ومسبحة.
تهلل وجه المراسل فرحا بهذا التحول المفاجئ في تصرفات مديره وأخذ يدعو له بالثبات والقبول ،
وانصرف ينفذ أوامره على وجه السرعة قبل أن يغير رأيه.
إقرأ أيضا: من كتاب قصاصات غير قابلة للطعن
ثم أخرج دفتر الشيكات وكتب شيكا وأعطاه للسكرتيرة قائلا : ” هذه مكافأة نهاية الخدمة لك ،
من الآن لا تدخلي هذا المكتب ولا أريد أن أرى وجهك في أي مكان حتى الموت “
أخذت الشيك وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة وخرجت من المكتب إلى غير رجعة.
تغيرت حالته ، بدل ملابسه وارتدى الجلباب الأبيض ،
وأصبح لا يتأخر عن مواعيد الصلاة في المسجد ويحرص على أن يكون في الصف الأول.
ويقرأ كل يوم عدة أجزاء من القرآن الكريم.
وعند خروجه من المسجد يغدق على الفقراء والمحتاجين المتواجدين أمام المسجد بمبالغ ليست بالقليلة وهم يدعون له بطول العمر.
وكلما سمع دعواتهم له بطول العمر كان يبتسم في حسرة ، طول العمر !
مرت الثلاثة أشهر كالريح ومع إشراقة كل يوم جديد يتسائل متي يحضر ملك الموت؟
وفي صبيحة اليوم الأخير من الأشهر الثلاثة إذا بهاتفه يرن ونظر إلى الرقم فإذا هو رقم طبيبه الخاص ،
رد على المكالمة وهو يقول في نفسه ” هذا الطبيب يريد أن يعرف إذا كنت مت أم ما زلت حيا “.
وهنا كانت المفاجأة الكبرى التي ألجمت لسانه وافقدته النطق لحظيا ،
لقد أخبره الطبيب أنه قد حدث خطأ في تشخيص حالته وأن الأشعة التي بنى عليها تشخيصه كانت لشخص آخر ،
وتم تبديلها بالخطأ ولم يكتشف الخطأ إلا عند وفاة هذا المريض تماما بعد ثلاثة أشهر كما أخبره من قبل.
لن أموت ، لن أموت ، مرحبا بالحياة لقد انتهى الكابوس المزعج.
كلمات قالها وهو يركب سيارته وينطلق مسرعا إلى مكتب صديقه المحامي ،
أخذ منه الوصية ومزقها وألقاها في الهواء وهو يلقي معها هموم ثلاثة أشهر قضاها في إنتظار الموت.
أخرج الهاتف واتصل بسكرتيرته التي طردها وطلب منها تجهيز السهرة في منزله للإحتفال بهذا الخبر السعيد.
إقرأ أيضا: قصة الفيل الذي إنتقم أشد إنتقام من القطار
أريد أن أعوض اليوم حرمان الثلاثة أشهر الماضية ، أريد المتعة بكل أشكالها.
وعلى الطرف الآخر كانت السكرتيرة تضحك وتعده بليلة من ليالي ألف ليلة يكون فيها هو شهريار له ما يشاء من الجواري والمتعة.
وانطلق بأقصى سرعة يريد أن يسابق الزمن ليلحق بالسهرة الموعودة والمتعة المنشودة وفعل المحرمات.
ولكن وهو في طريقه مسرعاً ليفعل الفواحش والمحرمات اصطدم في قطار السكة الحديدية ،
يا لها من موتة بشعة جداً تجمع الناس وهم يحاولون إخراج جثة هذا الرجل من السيارة ،
التي تفحمت وتناثرت أجزاؤها جراء اصطدامها المروع بقطار أطلق سائقه ابواقه ،
ليحذر ذلك المجنون المنطلق بأقصى سرعة عابرا سكة الحديد ليصبح في مواجهة القطار.
كأنه كان على موعد مع الموت!
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}
صلى وصام لأمر كان يطلبه ، فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام ، هذا هو حالنا.