نحن نتغير
تصيبنا عوامل تعرية الحياة ، وقليل من لا تمسه رياح التغيير ، حتى ولو كان أتقى الناس وأنبل الناس ، واسأل الكثير من أهل الفضل :
أأول أمركم مثل آخره؟!
الجميع سيجيبونكم بلا!
حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر عدم التغير في موضع الندرة عندما قال عن صاحبه أبي عبيدة :
“كل الناس غيرتهم الدنيا إلا أنت يا أبا عبيدة”.
لكن ثمة فارق بين تغير وتغير ، بعض الناس يذهبون ويعودون سريعا ، حتى لا تكاد ريح خلقه أن تذهب من أنوف من يعرفونه ،
وبعضهم يذهبون بعيدا لكنهم يتركون زِر الإنذار بيد أحبابهم حتى إذا ما بعدوا أزعجتهم أصوات الإنذار ممن يحبون ، فعادوا سراعا.
والبعض الآخر يذهب حتى يُوغِل ، وإن عاد عاد بجراحات نفسه وتقرحات قلبه.
وبعض أخير علم الله أنه لا يريد العودة فلم ييسرها له حتى هلك على بعده ، وراح بما أودى نفسه فيه.
ولكل نماذجه فيمن سبق.
فإذا علمت هذا ، فكن النوع الأول أو الثاني ، ولا تكن الثالث أو الرابع.
غِب بنَكهتك وعد بها ، ولا توغل! أو إن غبت فضع الجرس أو طرف الحبل في يد أخيك وقل له :
لا تطل غياب نصحك عني ، واجذب إليك حبلي إن رأيتني أبعدت ، فطول الأمد ، وبعد الشُّقة يورث قسوة القلب!
رحم الله السابقين : كان أحدهم يرسل رسالة لأخيه في أقاصي الأرض قائلا له :
يا أخي ، مضى الكثير ، وبقي القليل ، وقد سبقنا الصحب فأستحلفك بالله ألا تميل وألا تدعني أميل.
إقرأ أيضا: يقول أحد معلمي القرآن في أحد المساجد
وكان بعضهم يلقى أخاه فيقول له : “آنست في قلبي غلظة فألن لي قلبي”
ولربما يلقى الرجل أخاه فيعنفه كما يعنف ولده لما رآه من ازورار منه عن طريق الهدى ،
وأخوه بين يديه كالطفل الصغير ، يبكي ويقول : أعِدْ ، فلا خير فيك إن لم تفعل ، ولا خير في إن لم أنتبه.
هذا في أزمنة الخير وكثرة الأعوان ، فكيف في زمان بين الرجل منا وبين النفاق وسوء الأخلاق أقل من شبر!
يبتعد الأخ حتى يسوء خلقه ، ويضمحل دينه ثم لا يجد ناصحا ، ولا صارخا.
حتى وقع خلق كثير من أهل الله في شراك الكبائر لا الصغائر ، ولا يزال أخوه ناظرا إليه فاغرا فاه!
تحرك إليه ، هزه ، راجعه ، ذكره بالله ، ذكره بعهود الجنة ومواثيق الأخوة ،
فالقلوب التي غزاها الإيمان يترك فيها بعض جنوده وإن رحل!
أما أنت أيها المتلجلج بين الصعود والهبوط ويغلب عليك الهبوط ، فاجعل لنفسك حارسا من أهل الصلاح ،
واستحلفه بالله ألا يتأخر عليك بشد الوثاق ، ورن الجرس إن رآك بعدت ،
فحاجتك لرعاية أخلاقك وإيمانك أشد من حاجتك لرعاية مالك وعملك.
فليس العيب أن نتغير بعض الشيء لأنها سنة الحياة ، لكن العيب أن نتغير حتى تختفي معالم أخلاقنا ونحن لا نلتفت ،
والأشد عيبا ألا نعود إذا دعانا داعي الإيمان من أخ صالح أو نفس لوامة ، أو شوق إلى سابق عهد مع الله.
وما أكثر هؤلاء ، لكن من ينتبه؟!