قصص منوعة

هرب من الحروب الأهلية في إفريقيا

هرب من الحروب الأهلية في إفريقيا ، ولجأ إلى أحد البلدان العربية ، يتحدث الإنجليزية دون إجادة مع قليل من العربية التي تعلمها خلال مدة إقامته ،

وجد الأمان في البلد الجديد لكنه لم يجد لقمة العيش أو بمعنى أدق لم يعرف كيف يبحث عنها ،

فافترش الطريق وعاش على صدقات العابرين.

أراد أن يُغيّر حاله فظن أن السفر إلى بلد أوروبي مزدهر هو الحل ، فقدم طلب لجوء لكن رُفض طلبه.

بعد أن تيقن أن ذلك السفر الذي تمناه لن يأتيه ، وبدا له أنه سيبقى في بلد اللجوء إلىٰ
أن يشاء الله ،

قرر أخيرا أن يبحث عن عمل ، لكنه لم يكن لديه أي خبرة في أي شيء أو حرفة يُتقنها ، فكان يبحث عن أي عمل!

طال به البحث فافترش ذات مرة على طريق مقابل لساحة غسيل سيارات ،

كانت مُشاهدة السيارات وهي تمر بمراحل الغسيل المختلفة ومراقبة عمل العاملين بالساحة نوعا من التسلية له يقضي به الوقت.

تعرف على أحد العاملين بالساحة وكان رجلا طيبا في بداية العقد السادس من العمر ، يتقاسم معه طعامه أحيانا ،

سأله الشاب عن نظام العمل بساحات غسيل السيارات ،

فأخبره الرجل أن العمل في أغلب ساحات الغسيل يعتمد على البقشيش الذي يدفعه الزبون للعامل ،

بجانب مرتب رمزي يضعه مدير الساحة للعاملين بها.

أعجب الشاب الإفريقي بالفكرة وطلب من المشرف على الساحة أن يعمل معهم بضعة أيام دون أجر حتى يتعلم حرفة غسيل السيارات ،

فأذِن له على أن يضمنه العامل الذي يعرفه.

خمسة أيام فقط كانت كافية ليتعلم فيها الشاب كل خطوات الغسيل ، تحسنت حياته قليلا ،

فكان ينام في الساحة بعد إغلاقها ويستخدم مرحاض الساحة للإغتسال ،

لكن كانت قائمة العاملين بالساحة مُكتملة فقرر أن يـبحث عن عمل بساحات غسيل السيارات الأخرى بعد أن أتقن حرفتها.

بعد فترة من البحث وجد عملا بساحة غسيل تعمل أربعا وعشرين ساعة على أن يبدأ دوامه بعد منتصف الليل وحتى العاشرة صباحًا ،

تلك الفترة التي يأبى العاملون الآخرون العمل بها لقلة عدد السيارات.

إقرأ أيضا: يحكى أنه منذ زمن بعيد إجتمع ثلاثة أشقاء بعد وفاة والدهم

تسلم صاحبنا الزي الخاص بالعمل وسلم جواز سفره لمدير الساحة كضامن له وهكذا بدأ أول عمل رسمي له.

1 3 4 10 1 3 4 10

لم يكن عدد السيارات قليلا كما إعتقد ، فقد كان دخل أسبوع واحد كافيا لدفع إيجار شهر لغرفة يسكنها بدلًا من إفتراش الطريق.

ولم ينقض الشهر الثاني له حتى تمكن من شراء هاتف محمول مستعمل وخط حيث كان يُسأل كثيرًا عن رقم هاتفه في أثناء بحثه عن وظيفة ، و

هكذا بدأ يشعر أن حياته تعود للإتزان مرة أخرى بعد أن قضى أكثر من عام تائهًا ضائعًا بلا مأوى!

تمر الشهور ويأتي أحد ملاك الفنادق لغسل سيارته ، يلفت إنتباهه نصف العربية التي يتكلم بها صاحبنا ،

يفتح حديثا معه فيلاحظ أنه يتحدث أيضًا إنجليزية لا بأس بها ،

فيعرض عليه وظيفة حامل حقائب في أحد فنادقه شاملة الإقامة الكاملة والطعام بمرتب لم يكن صاحبنا يحلم به ،

إضافة إلى بقشيش سيحصل عليه يعادل تقريبا دخله الإجمالي من غسيل السيارات ،

وتحويل إقامته من إقامة لاجئ إلى عامل!

كاد صاحبنا يطير من الفرح وهو لا يعلم أن فرحة مالك الفندق أكبر لأنه وجد جوهرة نادرة ،

فمن ذا الذي يتحدث العربية والإنـجليزية ولم يبلغ الثلاثين بعد ويرضى أن يعمل حامل حقائب في فندق ويُقيـم فيه لا يغادره.

فطالما كانت تلك الوظيفة نقطة ضعف في نظام الفندق لضعف مستوى اللغة الإنجليزية لكل من يتقدم لها ويرضى بها.

والعجيب أنه حين روى لنا صاحبنا قصته لم يكن يعمل حامل حقائب في الفندق ،

بل وجدناه مُرتديا بدلة أنيقة تعلوها إبتسامة ثقة وعلى صدره بطاقة نقش عليها لقب (مُساعد مُدير).

إقرأ أيضا: هيثم المجنون!

ساعدته الإقامة الكاملة في الفندق أن يتعلم على مدار سنوات ويتدرج في الوظائف ويلمس التحديات الـمختلفة حتىٰ أصبح مؤهلا لأعمال الإدارة.

ولا تظن أن مقابلة مالك الفندق له في ساحة غسيل السيارات هي ضربة حظ وأن كل ما حدث كان صُدفة ،

لا ، لا حظ ولا صدفة ، ما حدث كان ضربة «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»

فلو قابله مالك الفندق وهو مفترش للطريق يمد يدهر، لألقى فيها بعض النقود وغادر دون أن ينبس ببنت شفة ،

لكنه قابله وهو عامل مجتهد أهل للحديث فتحدث معه فوجد فيه ضالته.

صدقوا حين قالوا : إن الفُرص دائمًا تأتي مرتدية ثيابًا بسيطة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?